لقد مرت الحركة العمالية وعبر تاريخها النضالي بمنعطفات تاريخية مهمة
ومحن كثيرة في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، خرجت منها
أكثر تماسكاً وكانت رمزاً للوحدة الوطنية على رغم المحاولات الفاشلة
والمستميتة التي بذلها الاستعمار البريطاني وأعوانه، إلا أن انشقاق الحركة
العمالية وتشرذمها والتي حصلت في الآونة الأخيرة على خلفية طائفية بحتة يعد
مؤشراً خطيراً على تحول مجتمعي لا يحمد عقباه.
إننا نؤمن بالتعددية
والاختلافات في الرؤى والتوجهات، ولكن إذا حصل ذلك الاختلاف في وضع طبيعي
وبشكل يساهم في إثراء الحراك المجتمعي، ولكن أن يأتي انشقاق الحركة
العمالية على خلفية طائفية… فهذه ظاهرة غير صحية ومؤشر خطير على وجود خلل
مجتمعي، والحركة العمالية أحد ضحاياه ويستوجب على من يحمل الوطن في قلبه
أن يتصدى له بالتوجيه والإرشاد.
إن مما لا شك فيه أن ولادة اتحاد
العمال الحر ليست ولادة طبيعية، ولم تخرج من رحم نضال عمالي، وإنما خرجت من
بوابة انشقاق وتشرذم سياسي ومذهبي غير مسبوق في تاريخ البحرين الحديث.
وهذه الولادة ليست فألاً حسناً ولا تبشر بخير. إن انشقاق الحركة العمالية
والذي يعد الأول من نوعه في تاريخ الحركة يرجع في تقديرنا إلى سببين رئيسين
وهما:
أولاً: الأخطاء التي ارتكبتها قيادة الاتحاد العام لنقابات
عمال البحرين خلال حراك 14 فبراير/ شباط، تلك الأخطاء التي أعطت أطرافاً من
داخل الاتحاد مؤشراً على أن الاتحاد مجيّر سياسياً، وأن تحركاته تتسم
بالروح الطائفية وليست بالروح المهنية.
ثانياً: في ظل الانقسام
المجتمعي الحاد لعبت أطرافٌ في النظام السياسي وجمعيات سياسية دوراً فعالاً
في حدوث الانشقاق. وقد تمثل ذلك في مباركة الحكومة السريع وغير المسبوق
لقيام الاتحاد وحتى قبل أن يتم إشهار الاتحاد الجديد، ما وضع وزارة العمل
في حرجٍ من كيفية إيجاد تخريجة أمام بعض المواد القانونية والتي كادت أن
تتسبب في أزمة حكومية!
إن السياسات التي تنفذها بعض الأطراف النافذة
والقائمة على شق صفوف منظمات المجتمع المدني كالاتحادات والجمعيات على
قاعدة مذهبية والتدخل في أنظمتها ولوائحها وانتخاباتها كما حصل في جمعية
المحامين وجمعية الأطباء، مسائل لها ما بعدها، وسيكون لها تداعيات وخيمة
على الشعب البحريني برمته. فالأطباء والمحامون وغيرهم هم جزء من النسيج
المجتمعي، وإن التدخل القسري في تدجين أو تجيير أو تسييس هذا النسيج يعد
تعدياً على الحقوق والحريات التي كفلها دستور مملكة البحرين، وستعزز مثل
هذه التدخلات الطائفية وكراهية الآخر.
إننا نعتقد كما أسلفنا أن هناك
أخطاء ارتكبتها قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ولكنها أن تكون
سبباً لانشقاق الحركة العمالية البحرينية وعلى قاعدة مذهبية، فهذا أمرٌ
يجب تصحيحه في أقرب الآجال من عقلاء الحركة العمالية من خلال الحوار
والمناصحة والاعتراف بالأخطاء. فانشقاق الحركة العمالية على قاعدة مذهبية
يقلل من فعاليتها وقوتها ويجعلها عرضة للتجاذبات السياسية والمذهبية، ويجعل
قراراتها مرتهنة للمصالح وليس للمبادئ وحقوق العمال، ويبعدها عن دورها
الفعلي في الدفاع عن حقوق العمال المشروعة، ولا يستفيد من ذلك إلا من لا
يريد الخير للحركة العمالية.
إن انشقاق الحركة العمالية في البحرين
وتدجين عدد من الجمعيات الأهلية والمهنية لمصلحة أطراف نافذة وجمعيات
سياسية، هو انحراف خطير يهدد كيان المجتمع واستقراره، وأن استمر جمود
المشهد السياسي على ما هو عليه من دون إحداث إصلاحات سياسية دستورية جذرية
تجعل الشعب البحريني شريكاً حقيقياً في صنع القرار السياسي يصب مزيداً من
الزيت على النار، وسيجعلنا نشاهد المزيد من الظواهر السلبية التي تعمق من
التشرذم المجتمعي. وقد نسمع قريباً عن الاتحاد النسائي الحر وجمعية
المعلمين الحرة وجمعية التمريض الحرة …الخ.
وهنا نتساءل وبمشروعية:
من الذي يقف وراء تعميق الشرخ الطائفي؟ ولماذا لا يتم التصدي له قبل أن
يقع الفأس في الرأس؟ وهل يقبل أصحاب القرار وعقلاء القوم أن نكون شعبين في
دولة واحدة؟ يقول الشاعر: «حذارِ فتحت الرماد اللهيب…»، فمن يرفع
الشراع؟