يوم أمس تحدث الدكتور محمد الصبان (الذي كان يشغل منصب كبير المستشارين
الاقتصاديين في وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية) عن بداية النهاية
للاقتصاد الخليجي المعتمد على النفظ، وذلك في ندوة المعهد الدولي للدراسات
الاستراتيجية في المرفأ المالي، مستعرضاً صورة مغايرة لتلك الصورة
المعتمدة لدى صناع القرار في مجلس التعاون الخليجي.
الصبان أوضح أن
سوق النفط تشهد نوعاً من الاكتفاء في الإمدادات، وأن الطلب على النفط
سينخفض مستقبلاً، وأن السعر الحالي (أكثر من مئة دولار للبرميل) سببه
الحقيقي مخاوف سياسية، وأن هذا الارتفاع وضع غشاوة على الأعين حجبت حقيقة
تغيرات هيكلية في سوق النفط. ومن هذه التغيرات أن أميركا والدول المتقدمة
خفضت استهلاكها للنفط بصورة دائمة، بل إن أميركا تسعى للاكتفاء الذاتي بعد
أقل من عقدين، وإن أميركا ستتحول إلى تصدير الوقود، ولاسيما بعد الاكتشافات
الكبيرة للغاز والتطورات التكنولوجية في عملية الاستخراج.
وقال
الصبان، إنه وفي الوقت الذي تتجه الدول المتقدمة نحو تقليل استهلاك النفط
والانتقال إلى بدائل أخرى، فإنه صدر مؤخراً تقرير عن «سيتي جروب» قال إن
السعودية قد تضطر لاستيراد النفط في العام 2030 إذا استمر معدل الاستهلاك
المحلي على ما هو عليه مع المستوى الرخيص جداً للوقود. وعقب الصبان قائلاً
إنه وعلى الرغم من أن هذا التقرير ليس واقعياً، إلا أنه يشير إلى مخاطر
حقيقية ناتجة عن تغييرات هيكلية، وأن السعودية التي تنتج أكثر من عشرة
ملايين برميل يومياً في الوقت الحالي، فإن هذا المستوى من الإنتاج لم يعد
يؤثر بصورة رئيسية في سعر النفط، وإنه حتى لو شغلت السعودية كامل طاقتها
الإنتاجية (12.5 مليون برميل يومياً)، فإن أسعار النفط لم تعد بيد
المنتجين، وهذا المتغير الجديد له تبعات عديدة.
وأوضح الصبان أن
النفط يمثل حالياً القطاع الأكبر من الناتج القومي لدول الخليج، وأن
القطاعات الأخرى تعتمد عليه، وأن هذا الاعتماد الكلي على النفط يستمر وكأن
سعره سيبقى عالياً، وهذا يغفل حقيقة أن السعر سينزل، وعندما ينزل مستقبلاً
إلى مستويات دون السعر المعتمد في الموازنات الخليجية (السعودية مثلاً
اعتمدت 95 دولاراً للبرميل) فإن العجز في الموازنات سيعود بنا إلى ما حدث
في نهاية الثمانينات والتسعينات.
وقال إن الخيارات التي يجب التوجه
نحوها تتطلب اعتماد سياسة جديدة لكيفية التصرف بالصناديق الاستثمارية
السيادية، والتحول إلى اقتصاد المعرفة المعتمد على التعليم المتطور، وإزالة
الدعم الذي يمنع اعتماد سياسات قابلة للاستمرار، ومعالجة البطالة من خلال
خلق وظائف مجزية وذات قيمة عالية للاقتصاد، والتوجه نحو بدائل أخرى
لاستخدامات الطاقة، مثل تشغيل وسائل النقل العام باستخدام الغاز، إلخ.
التحذيرات
أعلاه تقول لنا إن الوضع الحالي يعتمد على أنموذج اقتصاد غير صحيح وإن هذا
الأنموذج بدأ في الانتهاء، وربما إننا غير ملتفتين إلى ذلك، وغير ملتفتين
أيضاً إلى أن التحول إلى اقتصاد متطور ستكون له متطلباته السياسية التي
نراها في كل بلدان العالم، وهذا يعني انتهاء فكرة الخصوصية الخليجية التي
تتحدث عن استثنائنا من السياق التاريخي للأمم.