المنشور

أهمية عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية


أخيرا، أصبح لدى منظمة التجارة العالمية ما يمكن أن تفاخر به كإنجاز ملموس تحققه بعد حالة “جفاف” طويلة في تحقيق نجاح ذي بال مستمر منذ فشل مؤتمرها الوزاري الثالث الذي عُقد في مدينة سياتل الأمريكية خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 3 ديسمبر/كانون الأول ،1999 الذي أنهى أعماله قبيل الموعد المقرر له بسبب التظاهرات الضخمة التي واجهها المؤتمر .


الحديث يدور هنا عن إعلان المنظمة من مقرها في جنيف عن اعتماد عضوية الدولة رقم 156 في المنظمة، وهي ليست دولة عادية كما هو حال جمهورية فانواتو، (أرخبيل من الجزر الصغيرة لا تتعدى مساحتها 800 كيلومتر مربع تقع في جنوب المحيط الهادي) التي أصبحت عضو جديد (العضو 157) في منظمة التجارة العالمية، وإنما هي روسيا الاتحادية بحجم اقتصادها الذي يقارب تريليوني دولار، حتى إن السكرتير العام للمنظمة باسكال لامي أفرط في تضخيم أهمية انضمام روسيا للمنظمة بالنسبة لمستقبل التجارة الدولة، كما أسهب بعض الاقتصاديين والمضاربين الماليين الغربيين والروس في تعداد فوائد هذا الانضمام على الاقتصادين الروسي والأوروبي . واعتبرت أوساط اقتصادية ومالية عالمية، عن حق، أن أهمية انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية بالنسبة للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي إجمالاً، لا تضاهيها في الأهمية سوى خطوة انضمام الصين إلى المنظمة في المؤتمر الوزاري الرابع للمنظمة الذي عقد في الدوحة، حيث صادق وأجاز ممثلو 142 دولة عضواً في المنظمة بروتوكول انضمام جمهورية الصين الشعبية للمنظمة في العاشر من نوفمبر ،2001 وفي 11 ديسمبر أصبحت الصين العضو 143 في المنظمة، وذهب البنك الدولي في السياق لحد الزعم بأن انضمام روسيا للمنظمة سوف يضيف نحو 162 مليار دولار سنوياً لإجمالي الناتج العالمي، مع أن المنظمة نفسها، وتحديداً الولايات المتحدة والدول المحورية في الاتحاد الأوروبي، هي من تسبب في تعطيل وإطالة أمد قبول عضوية روسيا في المنظمة إلى تسعة عشر عاماً (من 1993 إلى 2012) حافلة بالمطالب الحقة (في اتصالها بتحرير أنشطة قطاع التجارة الروسي وتخفيف القيود الكمية وغير الكمية المفروضة على حركة الصادرات السلعية والخدمية الدولية إلى روسيا وكذلك حركة رأس المال الأجنبي)، والأخرى غير المحقة أو المسيسة تحديداً .


أما الذي لا شك فيه فإن انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية سوف يشكل إضافة مهمة للغاية لمنظمة التجارة العالمية ودفعة معنوية قوية للمنظمة التي تراجع دورها وخفت بريقها في السنوات التي أعقبت الإطلاق “القيصري” لجولة مفاوضاتها التاسعة في الدوحة أواخر عام ،2001 فروسيا بمساحتها الشاسعة وثرواتها التعدينية والهيدروكربونية ومواردها البشرية، يفترض، بحسب البروتوكولات الخاصة بتحرير تجارة السلع والخدمات والاستثمار وتسهيلات انتقال الأشخاص الطبيعيين في منظمة التجارة العالمية، أن تشكل إضافة حقيقية لحجم المبادلات التجارية الدولية، خصوصاً للعلاقات الاقتصادية الروسية والأوروبية (بحكم الجوار وتوفر البنية التحتية لانسيابية حركة عوامل الإنتاج في الاتجاهي) . وهو الأمر الذدي أكده المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي كارل دي جوفت “بأن انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية هو خطوة مهمة لمزيد من تكامل روسيا مع الاقتصاد العالمي، وتسهيل حركة الاستثمار والتجارة وتسريع عملية تحديث الاقتصاد الروسي وتوفير فرص لا حد لها للشركات ولقطاعات الأعمال في روسيا وأوروبا” .


ونلفت هنا إلى أن ترتيبات صفقة قبول عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية تضمنت قيام روسيا بخفض سقف الضريبة الجمركية على وارداتها من 5 .9% حالياً إلى 8%، وصولاً إلى 6% بحلول عام 2015 . كما تضمنت التزاماً روسياً بفتح عدد من قطاعات التجارة والخدمات بما في ذلك القطاع المصرفي وقطاع التأمين وصناعة السيارات .


لقد تأخر انضمام روسيا إلى النظام التجاري العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية 67 عاماً بالتمام والكمال، وذلك بسبب خطأ مميت ارتكبته القيادة السوفييتية التي تعاملت آنذاك مع المؤسسات الاقتصادية الدولية التي أنشئت لتنظيم وتأطير العلاقات الاقتصادية الدولية لما بعد الحرب ومنها الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية بعداء، باعتبارها جزءاً من النظام الإمبريالي . ولم تتقدم روسيا بطلب العضوية للاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية إلا في عام ،1993 وهو الطلب الذي تمت إحالته في عام 1995 إلى منظمة التجارة العالمية التي ورثت “الغات” في ذلك العام .


بالنسبة لنا كدول عربية منتجة ومصدرة للنفط فإن وجود روسيا في منظمة التجارة العالمية هو بشكل عام إيجابي لنا وللدول الأعضاء في المنظمة المنتجة والمصدرة للبترول كافة، وذلك في المفاوضات الخاصة بالتجارة في السلع (النفط في هذه الحالة، وكذلك الغاز) في ما يخص المعوقات الكمية وغير الكمية التي تؤثر سلباً في التجارة النفطية (لاسيما الضرائب العالية التي تفرضها الدول الأوروبية على مستهلكي النفط)، والتجارة في الخدمات لاسيما المفاوضات المتعلقة بتحرير خدمات الطاقة وبضمنها الخدمات البترولية وكذلك الاستثمار في قطاعات الطاقة المختلفة .