يتابع العالم عن كثب ما يحصل في شوارع البلدان والعواصم العربية التي
مازالت في صراع دائر بين دعاة الديمقراطية ودعاة الدكتاتورية. هذا الصراع
الذي بدأ يأخذ أشكالاً تستغل فيها صورة الأديان والطوائف كطريقة للفرقة،
وأيضاً للتشويش وتشتيت المطالب الشعبية من خلال بث خطابات الكراهية
والعنصرية داخل المجتمعات.
وتعتبر الديمقراطية قيمةً عالميةً تستند
إلى إرادة الشعوب المعبرة عنها بحرية في تحديد نظمها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، وإلى مشاركتها الكاملة في جميع نواحي حياتها. ولذا
فان المواطن في كل مجتمع وبلد، يحتاج إلى أن يفهم حقوقه وواجباته فهماً
كاملاً لا فهماً يستند على مبدأ الاستعباد والعطايا. ورغم وجود سمات مشتركة
بين النظم الديمقراطية، فليس ثمة نموذج وحيد للديمقراطية.
وأمس حلت
ذكرى اليوم العالمي للديمقراطية (15 سبتمبر/ أيلول) في عام حافل بالتقلبات
السياسية الممتدة للمتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية منذ مطلع العام
2011 وهي مستمرة حتى هذه اللحظة، إذ ان مزاج الرأي العام في البلدان
العربية أصبح مختلفاً، فما كان مقبولاً من قبل المواطن العربي تجاه نظامه
السياسي على مدى أربعين عاماً، أصبح اليوم غير مقبول نظراً لتزايد الوعي
بالديمقراطية وبثقافة حقوق الإنسان التي تشهد في الوقت الراهن حراكاً
دولياً يدعو إلى التغيير الذي يحترم ويحفظ حقوق الإنسان بالأفعال، وليس
بتصريحات تستخدم للاستهلاك الإعلامي من أجل استمرار أنظمة سياسية استبدادية
لا تعترف بحق وقيمة الانسان أصلاً.
الأمين العام للأمم المتحدة بان
كي مون قال في كلمته التي نشرتها وسائل الاعلام بما فيها صحيفة «الوسط»…
«إننا ننظر اليوم إلى عام آخر حافل بالحوادث المثيرة في قصة الديمقراطية،
وهي قصة مازال يكتب سطورها أناسٌ تواقون للتمتع بالكرامة وحقوق الانسان».
كلام
الأمين العام للأمم المتحدة هو كلام دقيق، فيما لو نظرنا إلى ما يحدث داخل
مجتمعاتنا العربية من الخليج إلى المحيط، فشعوب هذه المنطقة الجغرافية
الكبيرة مازالت تعيش في دوائر الاضطهاد والاستبداد السياسي الذي لا يمكن أن
يقرّ بأخطائه، ولكن يفعل أي شيء ليدفع الآخرون ثمن أخطاء لم يقترفها،
كالانتقام عبر القتل أو التعذيب أو إقامة دعاوى قضائية كيدية ومحاكمات
صورية، للنيل من الأفراد والجماعات التي تطالب بحقوق مدنية، حالها كحال
مجتمعات الدول المتقدمة صاحبة الديمقراطيات العريقة.
وقصة نضال
الديمقراطية في المنطقة العربية هي قصة مريرة لكنها مستمرة، لأنها بدأت
تنجلي على سطح الواقع الذي تحرص فيه الأنظمة على إنكار هذا الواقع وتغليفه
بواقع طائفي أو إثني من أجل استمرار أوضاعها حيث لا يراد لها أي نوع من
الاصلاح أو تحقيق مكاسب لصالح المواطن.
والمطالبون بالديمقراطية
الذين خرجوا بالأمس في الشوارع العربية أغلبهم من فئة الشباب، وهؤلاء –
بحسب كلمة بان كي مون – يجب أن تُسمع أصواتهم ويكون لهم دور في صنع القرار
الذي يحقق مكاسب وطموحات هذه الفئة التي هي ليست بصغيرة في المنطقة. وهو ما
شدّد عليه الأمين العام للأمم المتحدة بالقول «ويجب لأصوات الشباب أيضاً
أن تجد آذاناً صاغية، فالضغوط الديمغرافية الشديدة في جميع أنحاء العالم
تفرض ذلك، وأمام انسداد الآفاق وعدم استجابة الحكومات سيهب الشباب لتولي
زمام مستقبلهم بأنفسهم».
ان الوعي بأهمية الديمقراطية، وأيضاً بالنظر
إلى المادتين 19 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يتيح
تدابير حمائية قوية لجميع أشكال التعبير، كما انه منذ أكتوبر/ تشرين الأول
2008 والمفوضة السامية لحقوق الإنسان تتصدر القيام بجهد عالمي للنهوض بإطار
قانوني يستند إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لمناقشة حرية التعبير
والحاجة إلى إنفاذ الحظر على التحريض على الكراهية الوطنية أو العنصرية أو
الدينية.
ولذا فإن نظرة ووعي المواطن العربي اليوم ليست كالأمس، فهي
في تزايد وتنامٍ في هذه المرحلة، والتجاهل والمنع بصوره المختلفة في
التظاهر والتعبير السلمي وملاحقة نشطاء الرأي وغيره، يعني أن بلدان المنطقة
في موقع مترنح قد ينتهي إلى تغيير جذري على غرار ما حدث في بلدان أميركا
اللاتينية وأوروبا الشرقية قبل عقدين.