لم نكن لنصل إلى الوضع الحالي بكل مآسيه، لو تم قراءة التاريخ البحريني
بشكل صحيح، والبناء على هذه القراءة لكي نتقدم للأمام في سبيل مجتمع أكثر
حرية وديمقراطية بدلاً من النكوص للوراء.
من الغريب أن لا أحد من
المفكرين البحرينيين قد تطرق لفترة التسعينات من القرن الماضي ليحلل من
خلال تلك الفترة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لنفهم بالضبط ما الذي
أدى إلى اندلاع حركة احتجاجية عارمة كانت الأعنف في التاريخ البحريني،
سواءً من حيث استخدام الأساليب الاحتجاجية أو من حيث استمراريتها لأكثر من
خمس سنوات، حيث بدأت من العام 1994 واستمرت حتى العام 1999.
حركة
التسعينات حتى وإن لم تستقطب أغلبية البحرينيين واقتصرت على فئة الشباب
المتحمّس، إلا أنها أسّست لوعي عام، واستطاعت في وقتٍ لاحق كسب تعاطف
الجميع وخصوصاً بعد أن حققت مكاسب للشعب البحريني، كان أهمها إلغاء قانون
أمن الدولة وعودة المنفيين وتبييض السجون، بالإضافة إلى عودة الحياة
البرلمانية في البحرين.
لا يمكن بالطبع إغفال دور مشروع جلالة الملك
الإصلاحي، ولكن هذا المشروع لم يكن إلا ترجمةً لمطالب حركة التسعينات
والعريضتين النخبوية والشعبية، حيث استطاع جلالة الملك أن يخرج البحرين من
الوضع المتأزم حينها، والذي كان مرشحاً للاستمرار إلى ما لا نهاية.
وكما
الأمس فإن من وقف ضد التحرك الشعبي في فترة التسعينات ووصفه بالإرهاب
والتطرف والتبعية للخارج، ولم يقدّم مشروعاً تصالحياً ينهي حالة الاحتقان
واكتفى بترديد عبارات الشجب والإدانة، يتخذ اليوم الموقف نفسه.
القراءة
الصحيحة للتاريخ البحريني تفترض إن ما حدث في التسعينات لم يكن إلا حتميةً
تاريخيةً فرضتها التطورات العالمية بشكل عام، وتطور المجتمع البحريني بشكل
خاص، بحيث لم يكن من الممكن إبقاء حالة السلم الأهلي والتوافق المجتمعي
إلا بتقديم الحكم مجموعةً من التنازلات تتناسب مع ما وصل إليه المجتمع
البحريني من تطور فكري واجتماعي وسياسي.
القبول بهذه القراءة يمكن أن
تكون مفتاحاً لحل الأزمة الدائرة حالياً، في حين أن فرض قراءات مجافية
للواقع لا يمكن لها إلا زيادة وتيرة الانزلاق نحو هاوية لا يمكن التنبؤ
بقرارها.
ما تحتاج إليه البحرين فعلاً هو مبادرة شجاعة وجريئة تحاكي
مبادرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك في العام 2001، تنطلق من تنفيذ جميع
التوصيات التي خرجت بها لجنة تقصي الحقائق وتقود إلى مصالحة وطنية شاملة.