مرَّ عامٌ على الإفراج عن الطاقم الطبي المتهم في أحداث 14 فبراير/ شباط، بعدما تعرض لأشكال من التنكيل والأذى النفسي والجسدي، وما لحق بعوائلهم من ضرر، وخصوصاً بعد اتهامهم في مختلف وسائل الإعلام بتهمٍ جسامٍ، برّأ بعضهم القضاء منها جميعاً، وبرّأ بعضهم الآخر من كثيرٍ منها، ولكن ماذا تحقق بعد الإفراج؟
كثيرون من أفراد الطاقم من أطباء وممرضين ومسعفين لم يعودوا إلى أعمالهم ولاتزال رواتب بعضهم تُستقطع، وبعضهم الآخر لم يستلم مستحقاته حتى الآن، إضافةً إلى المسعفين الذين يتعرضون للاستهداف حسبما أشار بعض أفراد الطاقم في الجلسة الحوارية التي عُقِدَت صباح الجمعة بحضور كثيرٍ منهم، وهو نفسه ما يشير له الواقع الراهن.
مرّ عامٌ على الإفراج ومازالت العقول لا تصدّق ما حدث، ومازال الذين اتهموا الطاقم في وسائل الإعلام الرسمية من مسئولين رسميين لم يفكروا بالاعتذار رسميّاً لجميع أفراد الطاقم بسبب اتهامهم بحيازة الأسلحة التي برأهم منها القضاء، ولأفراد الطاقم الآخرين ممن برئوا من جميع التهم الأخرى المنسوبة إليهم.
مرّ عامٌ على الإفراج عنهم وعامٌ ونصف على كارثة القطاع الصحي في البحرين بعد كل ما حدث، وبعد التمييز الذي طال الكثير من فئة معينة، وبعد حرمان المرضى من التردد على أطبائهم من الاستشاريين الذين كانوا دوماً محلّ فخر واعتزاز البحرين في المحافل المحلية والعربية والعالمية.
عامٌ ونصف مرّوا ليفاجأ الاستشاريون والأطباء في وزارة الصحة بالقرار الصادر بتاريخ 6 سبتمبر بخصوص المهلة الممنوحة للاختيار بين العمل الحكومي في المستشفى وبين عياداتهم والذي نص على انه «يمنع على جميع الأطباء والاستشاريين العاملين بالمستشفيات والمراكز الصحية وغيرها من الجهات التابعة لوزارة الصحة العمل بأية جهة أخرى سواءً كانت مملوكة لهم أو لغيرهم. ويجب على جميع الأطباء والاستشاريين المذكورين في الفقرة الأولى والذين يعملون حالياً بجهات أخرى توفيق أوضاعهم بما يتفق مع أحكام هذا القرار خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ العمل بهذا القرار».
قرارٌ لن يؤثر على الأطباء فقط، بقدر ما سيؤثر على البسطاء من أبناء الشعب ممن لا يملكون ما يأكلونه، كي ينفقوا على العلاج بالمستشفيات الخاصة الكثير حين يختار الطبيب العيادة على العمل في المستشفى وهو المتوقع وخصوصاً إذا ما عرفنا أن رواتب الأطباء الاستشاريين ليست بالمستوى المطلوب مقارنةً برواتب الاستشاريين في الدول الأخرى ومقارنة ببعض الاستشاريين العرب العاملين في وزارة الصحة، وإذا ما عرفنا حجم التمييز الذي يتعرض له أفراد الطاقم ممن عادوا إلى وظائفهم بعد إيقافهم فتغيرت مناصبهم وتغيرت أقسامهم واختصاصاتهم.
تأثيرٌ يبدأ من تنازل المريض عن طبيبه أو الطبيب الذي رُشِّح له باعتباره الأكفأ والأفضل في مجاله، وكيف لا واستشاريون كثيرون قد قرروا الخروج بعد هذا القرار بحسب ما نُقِل في بعض المواقع على ألسنتهم، ويمرّ هذا التأثير بتكبد المريض مبالغ للعلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة التي قد لا يقوى على دفع رسومها، وصولاً إلى حرمانه من حقه في تلقي العلاج المناسب الذي يكفله له الدستور وتكفله له المواثيق الدولية لحقوق الانسان. وخسارة الطبيب لن تكون ماديةً فقط بهذا الاختيار، بل الأمر يتعداها إلى ما هو أبعد، وهي الخسارة النفسية التي تجعل الطبيب عاجزاً عن مدّ يد العون لمريضه حين يتطلب المرض القيام ببعض الفحوصات والأشعة، إذ باستطاعة الطبيب أن يتنازل عن حقه مقابل الكشف والاستشارة، ولكنه لن يستطيع فعل شيء أمام المبالغ الكبيرة نسبياً التي قد يدفعها المعدم للقيام بهذه الفحوصات في مستشفيات أو مراكز فحص أخرى غير عيادة هذا الطبيب أو ذاك.
صدور هذا القرار في مثل هذا التوقيت الذي يطالب فيه الرأي العام المحلي والمنظمات الدولية بعودة أفراد الطاقم الطبي إلى مواقعهم يجعلنا نتساءل: هل القرار مهنيٌّ أم أن للسياسة يد طالته؟
والجواب معروفٌ لدى من يحاول التفكير بعين حيادية.
صحيفة الوسط البحرينية
الكاتب: سوسن دهنيم
10 سبتمبر 2012م