لئن كانت صفحة مجلس الأمة المنتخب في 2012 قد طويت بحكم القضاء الدستوري الملزم للجميع وكذلك بحكم الأمر الواقع، فإنّ صفحة مجلس 2009 المرفوض شعبيا قد طويت قبل ذاك بحكم الإرادة الشعبية التي تجلّت في التجمّع الشعبي الحاشد مساء الاثنين 28 نوفمبر 2011 في “ساحة الإرادة” لعشرات آلاف الكويتيين الذين طالبوا بحلّ ذلك المجلس سيئ الذكر، ثم بالاستجابة الأميرية لرغبة الأمة، وهي إرادة نافذة لم تُبطل من حيث موضوعها، وإنما قامت المحكمة الدستورية بإبطال شكلها الإجرائي الخاطئ، الذي كان هناك مَنْ تعمّد أن يكون كذلك عبر التوقيع المجاور لرئيس مجلس الوزراء المكلّف حينذاك على مرسوم الحلّ قبل أن يشكّل حكومته ورئاسته غير ذات الصفة لاجتماع الحكومة المستقيلة.
وبالطبع فقد كان يفترض الإسراع في تصحيح الإجراء الخاطئ منذ اليوم الأول لصدور حكم المحكمة الدستورية في 20 يونيو 2012، إلا أنّ المماطلة السلطوية حاولت منذ اليوم الأول ولا تزال تحاول مدّ العمر الافتراضي المنقضي لمجلس 2009 المسقط شعبيا، مرة تحت ذريعة عدم ورود النصّ الرسمي للحكم، ومرة أخرى تحت غطاء بحث الجوانب الإجرائية، ومرة ثالثة بحجة تشكيل حكومة جديدة لتحصين الإجراءات، ومرة رابعة حتى تتمكن الحكومة الحالية من أداء القسم الدستوري لوزرائها من غير النواب أمام ذلك المجلس، وفي المرة الخامسة كان المبرر تمكين ذلك المجلس المرفوض شعبيا من الانعقاد وهو ما لم يتحقق بفعل الرفض الشعبي، وبعدها انتقلت الحكومة إلى تقديم طلب طعن ملغوم في عدم دستورية قانون الدوائر ليتم تأجيل الحلّ حتى لا يُدعى إلى إجراء انتخابات خلال شهرين من تاريخ مرسوم الحلّ المصحح قبل صدور حكم المحكمة الدستورية في الطعن، ثم دارت الاسطوانة الإعلامية المشروخة لاستفزاز أعضاء مجلس 2009 من أقليته المعارضة لتقديم استقالاتهم رسميا، وكان الهدف أن يلتئم ذلك المجلس في جلسة للبتّ في الاستقالات المقدّمة، وبعدها تُجرى انتخابات تكميلية لمقاعد النواب المستقيلين لعلّها تبعث الحياة إلى مجلسهم المرفوض، وأخيرا بدأ إطلاق تصريحات هي أقرب ما تكون إلى بالونات الاختبار لعقد جلسات لإقرار قانون الميزانية؛ أو لتعديل قانون الدوائر الانتخابية تحت ادعاء أنّ هذا هو البديل لانفراد السلطة بإصدار مرسوم بقانون لتعديله بعد صدور حكم المحكمة الدستورية… وهكذا يمتد مسلسل إطالة العمر الافتراضي المنقضي لمجلس 2009 المرفوض شعبيا عبر سلسلة لا تنتهي من الذرائع والمبررات والحجج والألاعيب، وذلك بهدف كسر إرادة الأمة التي أسقطت ذلك المجلس في تجمّع 28 نوفمبر 2011 ومحاولة فرض إرادة السلطة وأمرها الواقع!
وبعيدا عن أي وهم حول القصد السلطوي من ترويج الذريعتين الأخيرتين بهدف بعث الحياة في رميم مجلس 2009 المرفوض شعبيا عبر تمكينه من إقرار قانون الميزانية وتعديل قانون الدوائر الانتخابية، فإنّ الردّ على الذريعة الأولى المتصلة بإقرار الميزانيات تقدمه المادة 145 من الدستور التي تنصّ على أنّه “إذا لم يصدر قانون الميزانية قبل بدء السنة المالية يُعمل بالميزانية القديمة لحين صدوره، وتجبى الإيرادات وتنفق المصروفات وفقاً للقوانين المعمول بها في نهاية السنة المذكور… ألخ”، وهذا ما كان متبعا في السنوات السابقة عندما يتأخر المجلس في إقرار قانون الميزانية… أما الذريعة الأخرى فهي محاولة ابتزاز مكشوفة، خصوصا بعدما قدمت الحكومة طعنها في قانون الدوائر الانتخابية، بحيث يصوّر هذا الخيار وكأنّه البديل الأسلم عن إصدار الحكومة مرسوم بقانون لتعديل قانون الدوائر في حال الحكم بعدم دستوريته بعد حلّ مجلس 2009 الميّت سريريا، أي أن يكون ثمن عدم انفراد السلطة بتعديل قانون الدوائر هو عودة الروح إلى مجلسها الساقط، بحيث تفصّل السلطة ذاتها قانون الدوائر الانتخابية بمشاركة غالبيته، أو بالأحرى غالبيتها فيه، وذلك وفق مقاسها ومقاسات نوابها ومرشحيها، ليقال لنا بعد ذلك إنّ هذه هي إرادة الأمة!
باختصار، أزمة قانون الدوائر اختلقتها السلطة، وليس أي طرف آخر… وليس هناك من مخرج حقيقي من هذه الأزمة سوى تخلي الحكومة عن طعنها؛ وتخلي السلطة عن محاولاتها العابثة لبعث الحياة في مجلسها المرفوض شعبيا وذلك بالإسراع في تصحيح إجراءات حلّه وإجراء انتخابات نيابية وفق القانون الحالي، على أن تكون أولى أولويات المجلس المقبل هي إصلاح النظام الانتخابي على أسس ديمقراطية عادلة بالتزامن مع انجاز الإصلاحات السياسية المستحقة وفي مقدمتها إقرار قانون ديمقراطي لإشهار الهيئات السياسية… وهذا ما ستفرضه الإرادة الشعبية ذات يوم طال الزمان أم قصر، وشاء مَنْ شاء وأبى مَنْ أبى!
صحيفة عالم اليوم 2 سبتمبر 2012