شهد التجمع الجماهيري في “ساحة الإرادة” مساء الإثنين مجموعة من المفارقات ذات الدلالة التي يجب التوقف أمامها… إذ إنّه بينما كان هناك لفيف من شباب “التيار التقدمي” بينهم محمد قاسم؛ حسين الحربي؛ فيّ الرجيب؛ منصور المطيري، وخالد العازمي، بكل ما يعنيه تنوع انتماءاتهم الطائفية والفئوية والمناطقية من دلالة رمزية وطنية كويتية، يجولون ذهابا وإيابا في أطراف الساحة رافعين لوحاتهم التي تحمل شعارات “لا لتغيير النظام الانتخابي قبل الانتخابات”، و”لا لتفصيل النظام الانتخابي على مقاس السلطة”، و”ليرحل مجلس 2009 غير مأسوف عليه”، و”تغيّر الرئيس ولم يتغيّر النهج”، و”لا للانفراد بالسلطة … نعم للإصلاح الديمقراطي”… كان هناك، في مقابل هذا المشهد الرمزي الإيجابي الوطني، مَنْ يستثير النعرات الطائفية والعنصرية ويؤججها عبر لمز وغمز وأحيانا عبر تصريح مباشر في خطاب لا صلة له بموضوع التجمع ولا بأهدافه المعلنة… وفي السياق ذاته حدثت المفارقة الأخرى تلك الليلة عندما أعلن عريف المنصة للجمهور أنّه لا منصة غير منصة “نهج” ولا شعار يجب رفعه غير الشعار الذي رفعته “نهج”، مصادرا حقّ الآخرين في رفع شعاراتهم والتعبير عن آرائهم ومواقفهم في تجمع يفترض أنّه منعقد دفاعا عن الديمقراطية!
إنّ مطالب التصدي لنهج الانفراد بالسلطة ومنع تغيير النظام الانتخابي قبل موعد إجراء الانتخابات، إنما هي مطالب ديمقراطية حقّة ومستحقة، وهي بالتأكيد ليست مطالب طائفية، ولكن البعض بحكم نزعاته الطائفية وحساباته الانتخابية الفردية لا يجد غضاضة في تناول الشأن الديمقراطي والوطني من منظور طائفي بغيض وضيق، ما يؤثّر سلبا على صدقية المحتوى الديمقراطي للقضية المطروحة ويسيء بشدة إلى الطابع الوطني المفترض للتجمع المقام.
وهذا ما ينطبق أيضا على محاولة ائتلاف “نهج” الاستئثار بقرار المعارضة واحتكارها التحرّك الشعبي مع تهميشها المتعمّد أي طرف آخر ومصادرة حقّ الآخرين في التعبير عن مواقفهم، والتصرف وكأنّ “نهج” هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الكويتي، ما يلحق أفدح الأضرار بالحراك الشعبي؛ ويتسبب في إضعافه وتصويره وكأنه فعالية حزبية مقتصرة على حركة بعينها!
وفي هذا السياق، فإنّه مع التقدير للبيان الصادر في 11 أغسطس الجاري عن نواب كتلة الغالبية في مجلس 2012، فإنّه من المهم توضيح حقيقة أنّ صفحة ذلك المجلس قد طويت بحكم القضاء الدستوري الملزم وبحكم الأمر الواقع القائم، ومعها طويت صفحة “الغالبية النيابية” ولم يعد هناك وجود واقعي لها، وإنما استمرت التسمية في جانبها الإعلامي… ومن هنا كانت أهمية الدعوة التي وردت في ذلك البيان بشأن تكوين جبهة وطنية لحماية الدستور وتحقيق الإصلاحات السياسية لتكون مظلة واسعة للحراك الشعبي في هذه المرحلة، ولكن من الواضح الآن أنّه بعد انقضاء نحو ثلاثة أسابيع على صدور ذلك البيان فإنّه لم ينطلق على أرض الواقع أي تحرّك جدّيّ ملموس لإنشاء مثل هذه الجبهة الموعودة ما يعني أنّ الأمر لم يتجاوز نطاق البيانات الإعلامية، بل الأسوأ من ذلك أنّ التصريحات اللاحقة لبعض مَنْ أصدروا البيان ركزت على إمكانية دعوة نواب سابقين ومجاميع شبابية مع التجاهل الواضح لدعوة القوى السياسية الأخرى.
باختصار، إنّ نهج “نهج” ونهج مَنْ كانوا نوابا يشكلون غالبية مجلس 2012 بحاجة إلى تصحيح وتغيير بنبذ النَفَس الطائفي عند بعض أطرافه؛ وبالتخلي عن نزعة احتكار القرار ومحاولات إقصاء الآخرين… حيث إنّه لا يجوز لمَنْ يرفع دعوات المطالبة بتغيير نهج السلطة أن يغض الطرف عن النهج الخاطئ والمواقف الضارة لبعض أقسام المعارضة!