المحرق الشماء… المدينة المعروفة منذ أيام الغوص و«اليامال» بتسطيرها
الملاحم البطولية ضد المستعمر وضد الظلم والطغيان. المحرق التي انطلقت منها
شرارة المظاهرات والانتفاضات الوطنية للمطالبة بالحقوق الإنسانية
والمعيشية. المحرق التي ظلت ولاتزال نموذجاً يحتذى للمدينة الحاضنة بدفء
العاشق لجميع مكونات الشعب البحريني. المحرق المدينة المعروفة بسماحة وطيبة
أهلها. المحرق التي إذا دخلت فرجانها لا تميّز بأنك من فريج هذه الطائفة
أو تلك.
المحرق تعيش بعد حراك فبراير/ شباط 2011 بين الفترة والأخرى
حالةً من الاحتقان الطائفي غير المسبوق في تاريخها، وكان آخره تداعيات وفاة
الطفل حسام الحداد بطلق ناري (الشوزن) بحسب تقرير النيابة العامة. ويتساءل
أهل المحرق الطيبون وبحرقة ما الذي أوصل مدينتهم الوديعة، مدينة التلاحم
الوطني، إلى هذا الاحتقان بين فرجانها وبين أهلها؟ ومن يقف وراء هذا
التحريض والتحشيد ونشر الفتنة الطائفية؟ ولماذا لا يتحرك عقلاء القوم فيها
من أجل رأب الصدع وإزالة الاحتقان وإعادة الحياة إلى مجاريها بين أهلها؟
وقبل
الإجابة على تلك التساؤلات دعونا نقف ونسلط الضوء على وفاة ابن البحرين
الشاب حسام الحداد وتداعياتها والهواجس والمخاوف التي تدور على ألسنة أهل
المحرق الشرفاء… وبغض النظر عن الروايات والتحليلات العديدة التي يطلقها
هذا الفريق أو ذاك، فإن الطفل ابن البحرين حسام الحداد قد انتقل إلى الرفيق
الأعلى جلت قدرته، ولكون الحادثة هي الأولى من نوعها في المحرق منذ
خمسينيات القرن الماضي فقد تركت دون شك أثراً نفسياً بالغاً على أهل
البحرين والمحرق بشكل عام وعلى أهله بشكل خاص، ولا يعلم إلا الله سبحانه
وتعالى حجم ونوع التداعيات التي قد تقع من جراء هذا الحادث الأليم الذي
أدمى قلوب أهل المحرق الشرفاء. ومن هنا نطالب المفتش العام وأمين التظلمات
بوزارة الداخلية بفتح تحقيق جاد ومحايد في ظروف وملابسات مقتل «ولدنه» حسام
الحداد.
ويراهن البعض ممن في قلوبهم مرض والذين لا يريدون الخير
للبحرين وأهلها، على استغلال هذه الحادثة في إثارة المزيد من التحريض
والاحتقان الطائفي لكي تصل المحرق إلى حال من المواجهات الأهلية بين
فرجانها وقراها، وأنا أقول لهم كمحرقي سوف تخسرون الرهان وسوف تصبح
محاولاتكم هباءً منثوراً. والمحرق الشماء وأهلها عصية عليكم كما كانت عصية
على المستعمر وأعوانه في انتفاضة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات. وسوف
تولون متوشحين بوشاح المذلة والخسران. وخير دليل علي رهانكم الخاسر هو ما
شاهدته بأم عيني من الحشود الكبيرة من أهل البحرين بجميع مكوناتهم وطوائفهم
المتوجهة إلى مأتم الحجة بالمحرق لتقديم واجب العزاء إلى أهل الحداد، ما
جعلني أقول ان البحرين بخير وان المحرق بخير. لقد تجاوزوا والحمد لله ما
كان يدبر لهم في غفلة منهم.
لقد سبق أن حذّرنا من انفلات عقال اللحمة
الوطنية في المحرق، بسبب إدخال أجنحة راديكالية من هذا الفريق أو ذاك
مدينة المحرق في حساباتهم السياسية، ونقول لهم هذه المرة بل ونحذّرهم
وبأعلى صوتنا أن المحرق الشماء ليست قابلة للقسمة على اثنين، وأن المحرق
الشماء ليست كأي مدينة في البحرين لأن البحرين بكل مكوناتها تتجسد في
المحرق قلباً وقالباً. كما نقول لمن يملك نواصي الأمور وهم أولو الأمر: لا
تدعوا المتطرفين يتلاعبون بمشاعر أهل المحرق، لا تتفرجوا على ما يقوم به
الراديكاليون المتطرفون من نشر الفتنة والكراهية. لا تصفقوا وتهللوا
لأعمالهم الدنيئة فمن يلعب بالنار تحرق أصابعه كما يقول التاريخ. فإن
اشتعلت شرارة المواجهات في المحرق تحترق البحرين عن بكرة أبيها، والمشهد
العراقي واللبناني مؤخراً حاضر أمامكم ولن تنفع بعد ذلك حساباتكم.
إنني
أطالب رجال المحرق الأوفياء والمخلصين لبلدهم ومدينتهم بألا يتفرجوا على
خراب مدينتهم وذلك بأن يأخذوا زمام المبادرة ويسحبوا البساط من تحت أقدام
المحرّضين والموتورين ممن أطلقت عليهم «البطاقات المدفوعة الأجر»، ممن
أسموا أنفسهم بالنشطاء وهم في الحقيقة أقزام، وألا يدعوهم يأخذون مدينتنا
إلى المجهول. ألا من تحرك سريع يا رجال المحرق لإعادة اللحمة الوطنية إلى
فرجان المحرق وأهلها؟
إن على العقلاء من هذا الفريق أو ذاك أن يلجموا
الأجنحة الراديكالية المتطرفة، فأهل البحرين وبعد أكثر من سنة ونصف على
الأزمة الطاحنة يقولون: كفاكم لعباً بأهل البحرين. وإلى متى الاستمرار في
منح الضوء الأخضر للأجنحة الراديكالية المتطرفة لكي تتسيّد الملعب السياسي؟
أما حان الوقت وبعد هذه التضحيات الجسام التي قدّمها ولايزال يقدّمها
الشعب البحريني العظيم منذ عشرينيات القرن الماضي، أن نقف وقفة إنصاف
وعدالة مع أنفسنا وننصف هذا الشعب الأبي الصبور على المحن وشظف العيش؟ أما
حان الوقت لإيقاف نزيف الدم ونزيف الاقتصاد الوطني؟ أما حان الوقت لأن
نتصالح ونعترف بأخطائنا؟ ألم يعترف النظام السياسي في استراليا بعد مئات
السنين بما ارتكبوه من جرائم بحق أهل أستراليا الأصليين ويعتذروا لهم؟
لماذا هذا الكبرياء؟ وعلى من تتكبّرون يا مختلف الفرقاء؟ … على الوطن؟!
ألا تعلمون بأن الوطن يعلو على الجميع؟
وليعترف كل الفرقاء السياسيين
بأخطائهم التي اقترفوها بحق الشعب البحريني وليعتذروا له. ألا يستحق هذا
الشعب البطل الصامد المحتسب الاعتذار؟ ألا يستحق دم ابن البحرين حسام
الحداد ودماء من قتلوا قبله من هذا الفريق أو ذاك، ألا تستحق عين «ولدنه»
أحمد النهام ذي الأربعة ربيعاً أن نجلس على طاولة واحدة ونتحاور بما يرضي
الله وبما يرضي شعب البحرين؟ هل أصبحت دماء أبنائنا وأعينهم رخيصة إلى هذا
الحد؟ هل أصبح الشعب البحريني هو آخر ما نفكر فيه؟ فمن يرفع الشراع؟!
عيسى سيار
صحيفة الوسط البحرينية