المنشور

تأهبات واشنطن لمعركة نوفمبر الانتخابية

   

ونحن الآن في منتصف شهر اغسطس/آب حيث لم يتبق على معركة الرئاسة الامريكية التي ستُجرى في شهر نوفمبر المقبل سوى شهرين فقط، تبدو الأجواء السياسية في واشنطن للناظر اليها خطفا، أجواءً صافية عموما، خالية تقريبا من أية “غيوم” سياسية مثيرة ومستقطبة للاهتمام، يمكن أن تعكر صفو تلك الأجواء .. باستثناء المتابعات الاعلامية الاعتيادية لتحركات حملتي الانتخابات للرئيس باراك أوباما ومنافسه الجمهوري المرجح ميت رومني، والرصد الاعتيادي من جانب مؤسسات قياس اتجاهات الرأي العام لأمزجة الناخب الأمريكي التي تنشرها أجهزة الميديا بين الفينة والأخرى، ولكن من دون تركيز واضح واستغراق مفرط في تحليل أرقامها. فالوقت لازال مبكرا، من وجهة نظر المتحكمين في ايقاع “اللعبة” الانتخابية، الذين لم يقرروا بعد ساعة الصفر” للتدشين الرسمي الواسع النطاق للمعركة الانتخابية، ربما للخشية من حرق الأوراق الدعائية مبكرا.

بيد ان ما هو ظاهر للعيان لا يتطابق مع ما هو حادث تحت السطح، فالعراك السياسي الذي لا يخلو من استخدام تعابير فظة، والذي لازالت الأضواء الكاشفة بعيدة عنه نسبيا، يشي بأن معركة شرسة تلوح وتتشكل ملامحها في الأفق، تنبىء بها تحركات صقور الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري الذين على ما يبدو قد بكَّروا في الايعاز لمرشحهم الرئاسي الأرجح ميت رومني للتعبير عن مكنون ومضمون ذلكم العراك الذي ينوون تصديره برنامجهم في المائة يوم الأولى من رئاستهم في حال ظفروا بالمقعد اليضاوي.

حتى الخامس من يونيه الماضي كانت استطلاعات الرأي تعطي الرئيس أوباما 53% من المستطلعين (بفتح اللام) مقابل 38% للمرشح الجمهوري. ومن الواضح ان الجمهوريين يعملون على محورين في محاولة لتضييق هذا الفارق الى حده الأدنى قبل موعد الذهاب الى صناديق الاقتراع. المحور الأول سيركز على برامج الرعاية الاجتماعية وخصوصا برنامج الرعاية الصحية الذي يشكل أحد انجازات الرئيس أوباما والذي يعتزم الجمهوريون بكل قوة الغائه، كما يعتزمون اعادة النظر في الضرائب  التصاعدية التي فرضها الرئيس أوباما على الأثرياء والتي يستهدف منها تعديل مَيَلان الميزان الطبقي قبل أن تكتسح الليبرالية الجديدة بقية مواقع مؤشر الحياة النوعية (Quality of Life Index) للطبقة الوسطى الامريكية. وعلى المحور الثاني سوف يخوض الجمهوريون معركة ضارية ضد خفض النفقات الحربية، حيث يتهم الجمهوريون الرئيس أوباما بالمسئولية عن خفض حوالي 500 مليار دولار من النفقات الدفاعية، مع ان هذا كان ضمن حصيلة اتفاق الحزبين على خفض العجز في الموازنة، وان ذلكم الخفض الدفاعي يمتد لعشر سنوات اعتبارا من عام 2013، أي بواقع 50 مليار دولار سنويا.

فهل يكون اختيار الجمهوريين لرجل أعمال ذي خلفية رأسمالية شرسة مثل ميت رومني، ردا منهم على محاولة أوباما وحزبه الديقراطي اعادة الاعتبار للطبقة الوسطى الأمريكية بالقضم قليلا من الوزن الطاغي لطبقة الأثرياء الامريكيين؟

في ايطاليا يمين اليمين انتج حزبا وضع على رأسه رجل الأعمال المثير للجدل سيلفيو برلسكوني سرعان ما انخرط بسرعة البرق في السياسة وصار على رأس حكومتها. ويبدو أن يمين اليمين في الحزب الجمهوري قد اقتفى هذا “الأثر” الايطالي فجاء برجل الأعمال الفاحش الثراء والحاكم السابق لولاية ماساشوسيتس ميت رومني لقيادة تياره العازم على استعادة حكم البيت الأبيض. وكما حدث في ايطاليا بعد تصعيد برلسكوني الى سدة رئاسة الحكومة، فقد أثار تصعيد رمني الى هذه المرتبة، جدلا واسعا في أوساط الجمهوريين حفل بالانتقادات والتقريظ من جانب رؤوس بارزة في الحزب مثل الخاسر في سباق الترشح عن الحزب الجمهوري نيوت جينجريتش وحاكم ولاية تكساس ريك بيري، حيث وصف هذا الأخير رومني بالرأسمالي الجشع بتوحش، مستخدما عبارة (Vulture capitalist) ، حيث كان رومني يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة “بين أند كومباني” (Bain & Company) التي تتخذ من ولاية بوسطن مقرا لها. وهي شركة اتجار في الأوراق المالية تجني أرباحها من شراء وبيع الشركات، وحيث فقد الكثير من الامريكيين وظائفهم بعد شراء شركة “بين وشركاؤه” تلك الشركات.

ويمكن للمرء من خلال قراءة أولية لتحركات وخطابات المرشح الجمهوري أن يستنتج – تكهناً – بأن استراتيجية الجمهوريين في ادارة التحديات الحقيقية، الاقتصادية والجيوبوليتيكية، التي تواجه الولايات المتحدة، اذا ما عادوا لسدة الحكم، سوف تقوم –  كما هي استراتيجية ادارتهم لحملتهم الانتخابية الرئاسية – على محورين أساسيين، المحور الأول ويتعلق بتسخير كافة أدوات ممارسة السياسة (الأمريكية) من أجل تصدير المشكل الداخلي (أزمة المديونية التي أضحت في مستوى اجمالي الناتج المحلي السنوي للبلاد، وعجوزات الموازنة العامة التي أصبحت مادة للشقاق السياسي المجتمعي، ومصادرة المكاسب الاجتماعية التي أنجزتها ادارة أوباما لاسيما نظام الضمان الصحي، واعادة اشعال الحرب الباردة بجعل روسيا “العدو الجيوسياسي رقم واحد”، على حد تعبير المرشح الجمهوري رومني في خطابه الذي القاه في جامعة وارسو في بولندا الثلاثاء 31 يوليو/تموز، حيث سيطلق حملة سياسية ودبلوماسية واعلامية مركزة على روسيا وعلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أما الخور الثاني فيتعلق باستغلال الجو العالمي المتوتر الذي ستُشيعه سياسات الجمهوريين الهجومية (سياسة “نياب الليث”) وجبروت القوة العسكرية الامريكية الضاربة في العالم، لجني عقود التسليح والعقود التجارية، لاسيما للسلع التي تصنع الفارق في موازين المدفوعات وقبلها الموازين التجارية مثل الطائرات التجارية وتكنولوجيا محطات الطاقة النووية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومنتجات مصادر الطاقات المتجددة لاسيما محطات توليد الطاقة باستخدام الألواح الشمسية ونحوها. ولكن قبل ذلك سوف يتعين على الجمهوريين حشد التأييد الشعبي لمرشحهم لتأمين نجاحه في الانتخابات، بما يمكنهم من العودة للبيت الأبيض واستعادة السلطة التنفيذية كاملةً من منافيسهم الديمقراطيين.  نتج حزبا وضع على رأسه رجل ألأعمال المثير للجدل س