المنشور

تهـديـد ووعـيـد..!!


أليس غريبا، وباعثا على الحيرة والقلق، ومثيرا لقدر لا يستهان به من علامات التعجب، ان توجه جهة رسمية تهديدا شخصيا لصحفي ولصحيفة على حد سواء، فقط لانهما تابعا ونشرا معلومات عن بواطن خلل وتجاوزات فيها..!!
 
هل من المعقول ألا يتردد صدى ذلك التهديد والوعيد، وان يمر مرور الكرام، وكأن المسألة عادية، وغير جديرة بالانتباه والتوقف والاعتراض، ولم نجد أحدا أبدى اهتماما بالامر، ولا احدا تقصى أو استفسرعن حقيقة هذا التهديد، أو شك بأن في المسألة «إن»، كما ولا نائبا واحدا تحرك وأدان وزايد في دلالات هذا التهديد وما يعنيه حتى من باب الاستعراضات الهزلية التي ألفناها من نواب كثر، كما لم يظهر من عدّ ذلك مساسا بحرية الصحافة، والمفاجأة ان الجهة المعنية لم تصدر نفيا ولا توضيحا ولا تصويبا ولا بيانا ولا تصريحا ولا اشارة مجرد اشارة او تلويحا بانها سلتجأ الى مؤسسة القانون لدحض ما وجه اليها من اتهامات وهي الوسائل التي يكفلها القانون بدلا من التهديد لتظهر وكأنها عاقدة العزم على اخذ راحة من وجع الدماغ، وفي نفس الوقت ظهرت وكأنها مصرة في التمادي في المسلك الخطأ والامعان في ازدراء الصحافة والناس والقانون على حد سواء..!!
 
ان صح هذا الذي نشرته الزميلة «البلاد» على صدر صفحتها الاولى من انها «تلقت تهديدات شخصية بوقف نشر اي تجاوزات بالهيئة العامة للتأمين الاجتماعي» البلاد -16 يوليو 2012»، فاننا نكون امام نموذج فج فريد من نوعه يدين الجميع، من هدد، ومن صمت، ومن يفترض انه معني بالسؤال والحساب، نموذج يعبر عن حالة من عدم الاكتراث باي مساءلة بل ويتحدى الرأي العام..!!،
 
نموذج هو باختصار يثير من جديد ذلك السؤال الجوهري: هل نحن جادون حقا في ضبط مجريات الخلل والقصور والانحراف والفساد والمضي في الاصلاح؟ هذا التهديد مثير، وبالاضافة الى انه يغري بالتحليل والتدقيق، والتعامل معه من الطبيعي ان يتم على اساس انه صحيح، ولا غبار عليه حتى اشعار آخر، لسبب بسيط ووجيه، هو ان الجهة المعنية لم يكن لها اي موقف لا متأن ولا متسرع، لا في اليوم التالي، ولا في اليوم الرابع ولا العاشر، ولا بعد ذلك وكأن الامر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، وبات لنا ولغيرنا كل العذر ان صدقنا ذلك التهديد، وصدقنا كل ما نشر وينشر عن الهيئة من تجاوزات ومخالفات بدءا بتلك التي كشف عنها ديوان الرقابة المالية والادارية في تقاريره، مرورا مما بات معلوما مما نشرته الصحيفة في الآونة الاخيرة والذي لم يجد من الهيئة الا الصمت وكأنها لم تقرأ ولم تسمع..وان وراء الاكمة ما ورائها..!!
 
نستطيع ان نذكر لمن يميل الى النسيان او له فيه مصلحة ومن دون حاجة الى استفاضة بعناوين هذا الكم من التجاوزات والمخالفات التي نشرت اخيرا، ولم نجد احدا حمّل المسؤولية عنها رغم انها او بعضها من الوزن الثقيل، من نوعية تلك المخالفات المتصلة بتسكين وظائف وصرف تعويضات بطريقة غير قانونية، والاخرى المتصلة بنائبين – تصوروا- حصلا على راتب تقاعدي يفوق راتبيهما عندما كانا على رأس وظيفتهما بنسبة 150% !! ويضاف اليها مخالفة شطب ديون من الهيئة من دون وجود سند قانوني، ومخالفة تعويض 20 مسؤولا في التأمينات تعويضات هائلة تصل الى نصف مليون دينار جراء شراء سنوات عمل سابقة اضيفت لسنوات خدمتهم مخالفة للقانون جملة وتفصيلا بعد ان دفعوا مبالغ على شراء سنوات برواتبهم القديمة ولكنهم عوضوا برواتبهم الجديدة بعد الدمج، والذين دفعوا منهم 9000 دينار لشراء سنوات خدمة حصلوا على 30 الف دينار بجانب الحصول على اقصى امتيازات التقاعد وهم على رأس وظيفتهم من دون ان يتقاعدوا..؟!!
 
كل ذلك منشور، والمنشور برمته يكشف حتى الان وحتى اشعار آخر وجود خلل وفساد بالهيئة واستغلال للصلاحيات وكل ما هو موغل في الغلط والتدليس، والاخطر ان ذلك لم يقابل باي رد او نفي او توضيح من الهيئة، وهو موقف سيظل عالقا في الذاكرة تماما كما هو الحال من الموقف من تلك التجاوزات التي كشف عنها ديوان الرقابة المالية والادارية في تقاريره فذلك في حد ذاته موضوع آخر، وبوجه الاجمال سيظل الامر باعثا على الاستياء ومثيرا للشبهات والشك وهو شك في محله وله ما يبرره.. خاصة في عدم اتخاذ خطوة الى الامام في الاصطدام الحقيقي والفعلي بالفساد والنيل منه.
 
قد يكون ما نشر غير دقيق، او مبالغ فيه، او فيه من التجني الشيء الكثير، او يلوي حقائق ووقائع، او غير صحيح بالمرة.. كل تلك الافتراضات واردة.. ولكن أليس واجبا ومن باب المسؤولية ان توضح الجهة المعنية موقفها، تفند ما نشر، او تعترف بما نشر، ولتؤكد للجميع بان قيمة المسؤولية ليست غائبة عنها وبان قيمة المساءلة لها ما تستحقه من اعتبار.
 
لا يعنينا التهديد فقط، الذي لا شك انه تصرف غريب ومثير للفزع، لدى المواطنين على الاقل المدركين لمعنى ودلالة هذا التهديد، ولسنا على يقين مما اذا كان قد فزع المسؤولون، والا لكانوا قد تحركوا ورفضوا التهديد وحاسبوا المهددين ودفعوا باتجاه تبيان الحقيقة.
 
لا يعنينا ذلك فقط، وانما يعنينا ايضا ان تكون مجريات العمل بالهيئة، وكل وزارة وهيئة ومؤسسة رسمية بمنأى عن اي انتهاكات للانظمة والقوانين مما لا يحتمل التهوين والخفة والصمت، ولا يقبل معه غض النظر عن المساءلة والحساب.
 
يعنينا اخيرا ان نتخلص من هذه الحالة السلبية التي استسلمنا لها وجعلتنا نقبل ونتقبل ونتساهل في امور ما كان ينبغي الا ان تواجه بالحسم والردع، لا ان تمر مرور الكرام وكأننا نعيش حالة من انعدام الوزن.