من يعرف كيف تسير مجريات الأمور في بعض الوزارات والمؤسسات والأجهزة الرسمية ومن هو على دراية ومتابعة وعلى علم بالنيات والتصريحات التي أطلقت منذ سنوات وحتى الان في شأن بعض الملفات والمشاريع والبرامج والقرارات والوعود التي قد تذكر البعض بأغنية ام كلثوم التي تقول فيها: ما تصبرنيش بوعود.. أنا ياما صبرت زمان.. انما للصبر حدود..!!، وهي كلها وعود مشهودة ومعروفة وموثقة يمكن الرجوع اليها في إرشيف اي صحيفة محلية.
من يفعل كيف وينظر كيف هي النتائج على ارض الواقع، وقبل ذلك كيف كان اسلوب التعاطي مع تلك الملفات والبرامج والمشاريع والالتزامات والواجبات، وكيف كان حال المراوحة بالنسبة لبعضها، وكيف تم الإبقاء على بعضها الآخر محصورا في دائرة الشعارات والوعود من دون تنفيذ على ارض الواقع او اعتراها تنفيذ سيئ مرتبك ومربك ومكلف. من يفعل ذلك بموضوعية وبذهنية متيقظة نحسب انه سيخلص الى وجود خلل رهيب أصاب أطراف بعينها في جهات بعينها في مواقع شتى من مواقع الإدارة والعمل والمسؤولية، وقد يجد أيضاً ان هناك تطاولا على الحقوق واستهتارا في التعامل مع شؤون الناس، وان هناك قصورا في اداء المسؤوليات من شاغلي مقاعد المسؤولية كلفوا بما لم يتقنوا، وباتوا يشكلون بحق قوى معوقة للإصلاح والتطوير، وهذا وضع وجدناه يتفاقم في ظل ذهنية إنكار الأخطاء والمشكلات بالنفي المباشر او الصمت المطبق الذي قد يكون علامة من علامات الرضا والقبول..!! او عبر تجميل ما هو قبيح لتبقى التقيحات قائمة لا تمتد اليها يد بالتطهير والعلاج..
والبراهين على ذلك كثيرة لا ينقطع سيل تدفقها، هذا اولا، وثانيا قد يخلص المرء كذلك الى ان ثمة حاجة ملحة بفرض الإنحياز للمساءلة الفعلية بكل أبعادها ومقتضياتها وتجلياتها وفرضها فرضا في كل موقع خدمة عامة وفي كل شأن عام، وثالثا قد يخلص المرء الى ان هناك طرازا من المسؤولين بات من المهم والضروري والمصلحة التمحيص في صلاحيتهم، خاصة أولئك الذين جعلوا وظيفة الأقوال تصرف الأنظار عن الأفعال او عالجوا الخطأ بكارثة.. !! او في أدنى الأحوال بددوا الإشكال باشكال ثلاثة ملفات، هي عينة ليس إلا كان وما زال التعامل معها محيرا وباعثا لعلامات استفهام وتعجب من كل حدب وصوب، ملفات بينت ان هناك أخطاء، وهناك خلل، وهناك إخفاق، وهناك فساد، وهناك ممن فقد الشعور بالمسؤولية فقصر او اهمل او أساء على نحو يؤكد في أبسط تحليل بأن هناك من الأمور الجدية لا تؤخذ على محمل الجد، وان ثمة مظاهر انحراف لم تواجه بالحسم والحزم ناهيك عن الردع، وان قيمة المساءلة مازالت غائبة او مغيبة او لم تنل حظها اللازم والفاعل والمؤثر في ساحة الأداء العام.
الملف الاول، هو ملف مشروع البيوت الآيلة للسقوط الذي قدم وروج على انه من اهم المشاريع التي تهم أعدادا كبيرة من المواطنين، هذا المشروع أوكل في البداية منذ سنوات الى المجالس البلدية من اجل اعادة بناء المنازل الآيلة ضمن معايير وضعتها هذه المجالس، وبدأ المشروع تحت مسؤولية وزارة الإسكان ثم لوزارة البلديات ثم المؤسسة الملكية الخيرية، ثم نقل الى بنك الإسكان الذي فاجأ الجميع بالإعلان بانه لم يتسلم عهدة المشروع.
الأهم من ذلك هو حالة التعثر التي عانى وما زال يعاني منها المشروع وهي الحالة التي أدت الى جدل ولغط واسعين، ووجدنا كيف تبادل بلديون كثر الاتهامات حوله، كما وجدنا كيف تنصل مسؤولون من مسؤولية تعثره وما آل اليه من حال، وعدم تنسيق بين الجهات الرسمية، ولم يعد احد يعرف اليوم مصير هذا المشروع او الى اين يتجه؟ وقرأنا تصريحات لأعضاء مجالس بلدية اعلنوا فيها موت المشروع، فيما حاول البعض الآخر ان يخفف من وطأة وضع المشروع مكتفيا بالإعلان الصريح وبالفم الملآن، ان المشروع لم يمت ولكنه في العناية القصوى.
الملف الثانى، ملف علاوة الغلاء، وهو الملف الذي ما كان احد يتمنى ان تثار على خلفيته مفردات مثل الهبة او الحسنة، بل مفردات تتصل بمعاني الحق والواجب وكرامة الانسان، هذا الملف قيل فيه وعنه الكثير مما هو مقرون بالدهشة والصدمة في آن واحد، حول اسلوب التعامل مع مستحقي العلاوة، وحول طريقة صرفها وشروط استحقاقها، وهي الشروط التي بفضلها تم الغاء اعداد كبيرة من المواطنين في قوائم المستحقين، وخضع كثير منهم لعملية لا يمكن الا ان توصف بانها مذلة على الأقل حيال ذلك الكم من الشروط والشروط المعدلة والإضافية وعبر نوعية من الإجراءات والمعايير والعراقيل وكل ما استقبل بامتعاض شديد. نعلم ان هذه العلاوة سنت في الأساس من اجل التخفيف من المسحوقين بأزماتهم المعيشية من فئة محدودي الدخل، وكان أمرا صادما ومزعجا ومثيرا لتساؤلات كثيرة ان يكتشف بان ٣٨ بالمائة ممن صرفت لهم العلاوة لم يكونوا مستحقين لها، وان ٣٧ مليون دينار صرفت من علاوة الغلاء لأسر غير مستحقة فعليا، وهذا كلام معلن وموثق ومنشور وما كان ينبغي ان يمر مرور الكرام، فهو يعني في أبسط تحليل بأن مسار هذا المشروع لم يسر كما يجب وشابه التخبط والإخفاق وسوء إدارة دون وقفة او مراجعة ودون مراقبة ومتابعة وتقييم ومساءلة.
نمضي الى الملف الثالث، هو ملف الفساد والتجاوزات الفجة التي تكشفت في الآونة الأخيرة فقط على اكثر من صعيد بدءا من مشروع مستشفى الملك حمد وهي التجاوزات والخروقات التي رفعت كلفة المشروع من ١٨ مليون دينار الى ١٣٠ مليونا، مرورا بالتجاوزات التي كشف عنها تقرير رسمي والتي بلغت ٢٩ مخالفة مالية وإدارية ضربت في الصميم نظم ولوائح متصلة بالمناقشات والمشتريات والتعيينات وعقود التوظيف، وربما انتهاء بما بات يعرف بالفساد في البلديات وهو ملف يحوي اكثر من قضية متداولة منها قضية حظائر الأغنام وتوزيع الاراضي على أشخاص وشركات بطرق مخالفة وبيع المواد والأعلاف والحيوانات دون حسيب او رقيب، ومناقصة مراوح السوق المركزي، وأخيرا وليس آخراً ما يثار الان من لغط حول مناقصة مشروع تطوير حديقة المحرق.
لسنا في وارد الاستفاضة فى اي من تلك القضايا والملفات حيث تفاصيل كل منها معلوم ومنشور ومتداول، ولكننا اولا في وارد التنبيه والتذكير بان تلك وغيرها هي، قضايا فجرت العديد من الأصداء التي لو حدثت في مكان آخر لا يخرج منها الوزير او المسؤول بسلام. وثانيا، هي قضايا وجدنا بعضها وبقدرة قادر توارت عن الأنظار فجأة، وسكت الجميع فجأة عن الكلام المباح، حتى النواب الذين استعرضوا عضلاتهم واستأسدوا وجدناهم في مشاهد كاريكاتورية يهددون ويتوعدون باستجوابات وبلجان تحقيق ومساءلات لكل من فرط في المال العام او تعدى عليه، سكتوا فجأة مما يبدو كالألغاز، وكأنه لا يحق لنا ان نكون ضمن منظومة المساءلة والحساب الا في حدود الظاهرة الصوتية، ولا تزال الذاكرة تحتفظ بمواقف النواب خاصة حيال تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، وهذا مثال ليس إلا.
كل الضجيج، وكل التصريحات والوعود التي بشرتنا بإجراءات حاسمة ورادعة وإحالات الى النيابة العامة كأنها لم تكن، وكأن ما جرى من إهدار للمال العام وتجاوزات مالية وإدارية هنا وهناك هي من صنع «لهو خفي» فعل ويفعل ما يشاء دون ان يعرفه احد، تماماً كما هو الحال بالنسبة لقضايا كثيرة قفزت الى الواجهة ومرت هي الاخرى وكأن شيئا لم يكن، ذلك يعني اننا نعاني من علة.. ونرى ان لكل علة سبب.. ولكل علة علاج.. ولكل علاج نقطة بداية.. ونظن ان نقطة البداية الاعتراف بالعلة اولا، والجدية ثانيا.. الخلاصة إما نكون جادين.. والا فلا أمل.. !
حرر 11 يوليو 2012