في أحد اللقاءات الجماهيرية التي حضرتها والتي أقيمت في إحدى الساحات بالمحرق بعد أيام قليلة من فزعة الفاتح الأولى. وقف أحد الشباب وتحدث بحماس ونشوة مخاطباً الحشد قائلا: «بغض النظر إن اختلفنا أو اتفقنا مع المطالب التي رفعها المعتصمون في دوار اللؤلؤة فإننا نشكر تاريخ 14 فبراير على إيقاظه الشارع السني والذي تم تغييبه وتهميشه سياسياً بتوجيه وتخطيط من أطراف وقيادات محسوبة على النظام السياسي»، وأضاف الشاب «لقد وضعوا أرجلنا وأيادينا في قالب من الأسمنت لأكثر من ثلاثين سنة… ولكننا الآن كسرنا هذا القالب وسوف نستعيد لياقتنا وعافيتنا ونطالب بحقوقنا كما تطالب بها المعارضة ولن نكون بعد الآن (طوفة هبيطة)».
إن أي قراءة واعية لما قاله الشاب سيصل إلى دلالات ومعان لا يخطئها البصر ولا البصيرة. فالشاب وجه رسائل واضحة لمن يمتلك الحصافة السياسية بأن غالبية الشارع السني والذي لا تمثله القوى الدينية السنية التقليدية والذي عاقبها في انتخابات 2010 لن يقبل بعد الآن أن تنتهك أو تصادر حقوقه تحت أي حجة أو ذريعة من قبل أي طرف، وهناك ثلاث رسائل يمكن في اعتقادي استخلاصها مما قاله الشاب:
الرسالة الأولى للنظام السياسي: ومفادها أن الشارع الوطني السني له مطالب في الإصلاح السياسي والمعيشي وأنه سيستعيد لياقته بعد التغييب والتهميش المتعمد ليكون لاعباً أساسياً في المشهد السياسي، كما يفهم من كلام الشاب أيضاً أن الشارع السني لن يقبل بتزوير إرادته الوطنية من قبل المطبخ السياسي من أجل إيصال نواب في البرلمان تتم إدارتهم عن بعد من قبل أطراف نافذة «بالريموت كونترول» وأن الشارع لن يقبل بعد الآن بفتات الموائد أو أن يكون رديفاً للنظام السياسي.
الرسالة الثانية: يوجهها الشاب كما أعتقد إلى قيادات الشارع السني بشكل عام والدينية التقليدية منها بشكل خاص، ليقول لهم لا تستخدموا الدين من أجل تهميش وتخدير الشارع السني، بل عليكم بتوعيته بحقوقه السياسية. وأن إطاعة أولي الأمر لا يعني السكوت عن المطالبة بالحقوق المشروعة والتي كفلتها الشرائع السماوية قبل الوضعية ولا يعني عدم محاربة الفساد ومن يقف وراءه ومن يقوم بتغطيته. وأن الشارع السني لن يقبل بعد الآن بأن يكون وعيه السياسي أقل من وعي الشارع المقابل.
الرسالة الثالثة: يرسلها الشاب للشارع المقابل ومفادها بأنكم لستم الوحيدين الذين لديهم مطالب في الإصلاح السياسي والمعيشي بل نحن كذلك؟ ولستم الوحيدين الذين صودرت حقوقهم السياسية والمعيشية بل نحن كذلك؟ ولستم الوحيدين الذين تعانون من عدم العدالة والفقر وظروف المعيشة الصعبة بل نحن كذلك؟ لذا علينا أن نتحاور ونبني الثقة على أساس الثوابت الوطنية.
إن كان لنا رأي أو تعليق حول الدلالات والمعاني البالغة للكلمات التي قالها الشاب فإن ما قاله الشاب بكلماته المعبرة والصادقة يضع قيادات الفاتح الدينية والوطنية والنزيهة والتي لا تحكم مواقفها أو تصرفاتها أو أقوالها مصالح مع أطراف نافذة محسوبة على النظام السياسي! أمام مسئولية تاريخية كما يحملها الشاب مسئولية وطنية كبيرة في النهوض سياسياً بوعي الشارع السني والدفاع عن مطالبه ومصالحه العادلة، ومن هذا المنطلق فإننا نوجه بوصلة المسئولية الوطنية بالكامل لقيادات الفاتح الدينية والوطنية النزيهة حول أمرين مهمّين:
الأول: لقد أخذ الشارع السني يضيق ذرعاً بانشغالكم بالخلافات والتشرذم الذي حصل في جسم الشارع السياسي السني والذي أنتم من تسبب فيه وجمعياتكم العمومية وانتخاباتكم وتسابقكم ليس على إنجاز ما وعدتم به الشعب بل على المناصب والحظوة وغيرها من مصالح، فالشارع السني كان ينتظر منكم مواقف واضحة وصريحة لا لبس فيها تجاه ملف الإصلاح السياسي والملف المعيشي ولكن بسببكم ذهبت آماله وطموحاته في مهب الريح.
إن الشعب البحريني يريد أن يرى تغييراً جذرياً على حياته المعيشية، يريد أن يرى وعودكم تتحقق على أرض الواقع، يريد أن يعيش الأيام الجميلة التي لم يعشها بعد!؟، فالذي قمتم به حتى الآن هو عبارة فقط عن تشكل جمعية سياسية بدأ الكثير من الناس ينفضون من حولها بسبب عدم أخذكم زمام المبادرة وصيانة حقوق ومطالب الشعب المعيشية وعدم وضوح مواقفكم السياسية!؟ وعدم قدرتكم على الاستفادة من زخم الشارع السني آنذاك، وكذلك بسبب حالة الانقسام والتشرذم في الشارع السني الذي تسببتم فيه.
الثاني: إن قيادات جمعية تجمع الوحدة الوطنية والتي تأسست على خلفية فزعة الفاتح، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى وخاصة بعد الوضوح الجزئي لموقفها السياسي والذي عكسه التقرير السياسي الصادر عن جمعيتها العمومية الأخيرة، بأن تأخذ زمام المبادرة ومن خلال إرادة وطنية واعية وواقعية وسياسية تقوم على الثوابت الوطنية أن تفتح حواراً جادّاً مع المعارضة أسميته «حوار الشجعان» لأن الذي سيقوم به لابد أن يمتلك الشجاعة الوطنية والأدبية والأخلاقية.
إن المحاذير والمخاوف التي يضعها تجمع الوحدة الوطنية قبل الدخول في حوار جاد مع المعارضة نتفهمها؛ لأنها تعكس واقع الحال الذي يعيشه الشارع السني، ولكنها لا ينبغي أن تكون عائقاً أمام التجمع في أن يدخل في حوار مع المعارضة الوطنية يمكن أن نطلق عليه حوار جس نبض وذلك من أجل التوصل أولاً إلى تبديد المخاوف والهواجس بين الطرفين ومن ثم بناء الثقة وثانياً أن يتم التوصل إلى مبادئ وقواسم مشتركة حول عملية الإصلاح السياسي والمعيشي وخاصة أن قيادات الفاتح أعلنت مراراً وتكراراً أنها تلتقي مع المعارضة على أكثر من 80 في المئة من المطالب التي وردت في وثيقة المنامة ! ؟
إن بقاء مواقف قيادات تجمع الفاتح تراوح مكانها متدثرة بالهواجس والمخاوف تارة أو متذرعة بأن هناك أطرافاً نافذة ستحرك الشارع السني إن هم دخلوا في حوار مع المعارضة تارة أخرى أمر أصبح سياسياً ووطنياً وأخلاقياً غير مقبول في ظل أوضاع خطيرة تمر بها البحرين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
إن استمرار قيادات تجمع الوحدة الوطنية في رفع الراية البيضاء أمام هواجسهم ومخاوفهم أو أمام التحذيرات أو أمام البطاقات الحمراء التي يرفعها في وجهها الانتهازيون والمتمصلحون والتي أسمّيها «البطاقات المدفوعة الأجر» وكذلك أمام الجمعيات السياسية السنية القريبة من أطراف نافذة في النظام السياسى والتي ترفض الحوار مع المعارضة من حيث المبدأ. حتماً سيصل بهم المآل (أي قيادات الفاتح بشكل عام وقيادات التجمع بشكل خاص) إلى أن يقعدوا ملومين ومحسورين مرددين كلمة «ياريت، لأنها بالطبع ما تعمّر بيت»، وسوف لن يرحمهم التاريخ ولا حتى من وقف معهم في فزعة الفاتح الأولى… فمن يرفع الشراع؟
صحيفة الوسط البحرينية – عيسى سيار
01 أغسطس 2012م