المنشور

بعد 22 عاما من الغزو «عادت حليمة » !

 


من الطبيعي في الذكرى السنوية الثانية والعشرين لغزو الكويت واحتلالها، أن نسترجع شيئا من شريط الذكريات الأليمة لتلك التجربة القاسية، وأن نستذكر جانبا من التضحيات البطولية التي سطّرها أبناء الكويت دفاعا عن الوطن وفي مقاومة الغزو والاحتلال، وأن نحني الرؤوس إجلالا للشهداء الميامين… ولكن هذا كله يجب ألا ينسينا أن نسأل انفسنا بصراحة ووضوح عما إذا كنا بعد اثنين وعشرين عاما قد استفدنا حقا كدولة وكمجتمع وكمواطنين من دروس تلك الكارثة الوطنية الأليمة؟ !

ولعلّ أفضل وسيلة للإجابة عن مثل هذا السؤال المستحق تكمن في تتبّع مجريات الأمور في البلاد منذ التحرير وما آلت إليه بعد ذلك وصولا إلى واقعنا الراهن… مع أنّ الإجابة عن السؤال كانت واضحة منذ البداية، حيث لم يُحاسب أي مقصّر عن تقصيره؛ ولم يُقص أي متهاون من المسؤولين الكبار في الدولة عن موقعه في سلطة القرار جراء تهاونه عن أداء واجبه وعدم قيامه بمسؤولياته، وذلك على الرغم من الإدانة الصريحة التي تضمّنها تقرير “لجنة تقصي الحقائق عن موضوع الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت” في مجلس الأمة الصادر في 16 أغسطس من العام 1995، وتحديدا ما جاء فيه من أنّ “رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الإعلام ووزير الدفاع ووزير الداخلية يتحملون مسؤولية التقصير، وقصور الجاهزية، وعدم اتخاذ أبسط التجهيزات والاستعدادات الأمنية المدنية والعسكرية للتعامل مع التهديدات العراقية التي استمرت طوال اسبوعين كاملين من 15/7/1990 إلى 1/8/1990”، إذ حمّل التقرير السلطة التنفيذية المسؤولية لأنّها “لم تقرأ الخطر والتهديدات العراقية الموجهة ضد الكويت قراءة صحيحة”… “ولم تتعامل مع الخطر تعاملا صحيحا”… و”قللت من الخطر الماثل أمام الكويت واستبعدت حتى التجهيز والإعداد الدفاعي والعسكري”… و”غيّبت المشاركة الشعبية والرأي العام وتعمّدت إخفاء الأخطار العراقية في أجهزة الإعلام الرسمية”… و”فشلت في مساعيها السياسية التي كانت المحور والمسار الوحيد الذي اتخذته دون غيره من المسارات ولو من باب الاحتياط”…  ومع ذلك كله لم تتم محاسبة أيٍّ من هؤلاء المسؤولين عن تقصيرهم الفاضح وتهاونهم الواضح، ومثلما هو معروف فإنّه عندما يغيب الحساب وتنعدم المسؤولية لا يمكن الحديث عن الاستفادة من الدرس والاتعاظ من التجربة! 

وإلى جانب انعدام مساءلة المقصّرين والمتهاونين، فقد شهدنا كيف جرى عن سوء نيّة وسابق قصد تفويت الفرصة التاريخية التي سنحت في الأشهر الأولى بعد التحرير لإعادة بناء الكويت على أسس جديدة، حيث عادت “حليمة السلطة والقوى المتنفذة والمصالح الكبيرة إلى عاداتها القديمة” عبر عودتها إلى مواصلة نهجها المعتاد في الإدارة السياسية للدولة وفق عقلية المشيخة ومصالح الحلفاء الطبقيين من القلّة المسيطرة بالاستحواذ على مقدرات البلاد واستغلال النفوذ والانتفاع والتنفيع؛ مع مواصلة نهج تعطيل مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة.

أما فيما يتصل بتوفير متطلبات الحفاظ على الأمن الوطني للكويت بعد تلك الكارثة الأليمة، فقد جرى الاكتفاء بوضع “بيض أمننا الوطني كله” في سلّة الاتفاقية السرية مع الولايات المتحدة الأميركية، التي لا يعلم أحد غير موقعيها ما تتضمنه من شروط وما ترتبه علينا من التزامات، في الوقت الذي جرى فيه إلغاء نظام التجنيد الإلزامي الذي كان قائما، وكأنّه لم تعد هناك بعد هذه الاتفاقية السرية أدنى حاجة إلى مشاركة شباب الكويت في الدفاع عن وطنه !

والأسوأ من ذلك ما شهده المجتمع الكويتي، خصوصا منذ العام 2008 وإلى يومنا هذا، على يد السلطة والمحسوبين عليها من محاولات متعمّدة لتمزيق المجتمع الكويتي الصغير وتأجيج النعرات الطائفية والعنصرية والقبلية والمناطقية وتكريس الانتماءات الفئوية والهويات الصغرى على حساب الانتماء الجامع إلى الهوية الوطنية الكبرى… وها نحن نشهد هذه الأيام إحدى حلقات التأجيج المتعمّدة عبر الإساءة المتكررة إلى المواطنين من قبيلة مطير، التي يبدو أنّها لن تكون الحلقة التأجيجية الأخيرة ضمن مسلسل العبث في مكونات المجتمع، الذي بدأ بمسرحية “التأبين” ولا يزال مستمرا بفضل رعاية الرعاة الأساسيين الكبار والفرعيين !  
 
ترى، بعد هذا كله، هل هناك مَنْ يمكنه أن يدعي أنّنا استفدنا من دروس كارثة الغزو والاحتلال واتعظنا من عِبَرِها؟ !
 
 
صحيفة عالم اليوم  2 اغسطس 2012