يطرق الباب ليسأل عن سبب تأخر دخول ابنته على الطبيبة، فتجيبه الممرضة:
الدكتورة المطلوبة في إجازة، ولهذا نُقِلَ جميع مرضاها إلى الطبيبة
«فلانة»، لكنها ما تلبث أن توضح بشيء من التذمر والأسى: لدينا ضغط كبير
جداً فاعذرونا، لأن المرضى كثيرون والأطباء قليلون!
كان هذا مشهداً
واحداً فقط من المشاهد التي رأيت وعشت في مستشفى السلمانية نهاية الأسبوع
الماضي. لكن ما جعلني أشعر بالألم أكثر هو بحثي بين الوجوه عن الأطباء
الذين تمنيتُ وجودهم هناك إلى جانب زملائهم… فكلما مرَّ من أمامي طبيب أو
طبيبة أدرت وجهي تجاهه/ها. ثم أعود وأستدرك: لماذا نبحثُ دائماً بين
الوجوه، حين نعلم أنها ليست لمن ننتظر ولن تكون؟ إذ إننا نعرف تمام المعرفة
أن السياسة الحالية حالت دون تواجدهم في مقاعد وظائفهم وبين مرضاهم الذين
اعتادوا عليهم، وصاروا جزءاً من حياتهم اليومية!
باستمرار إيقاف
الأطباء عن وظائفهم تقترف الوزارة، أو لأقل الحكومة – باعتبار أن هذا
القرار يحتاج لأكثر من جهة كي تعترف بمسئوليتها- تقترف كثيراً من الضرر لا
يطال الأطباء وحدهم؛ بل يمتدُّ إلى مرضاهم بشكل كبير. خصوصاً أولئك الذين
اعتادوا زيارة طبيبٍ ما بسبب مشكلةٍ تحتاج إلى مراجعة مستمرة حتى بات
الطبيب صديقاً وأخاً ومعالجاً يعرف ما يعانيه هذا، وما يحتاج إليه ذاك.
في
كثيرٍ من الأحيان يضطر المرء مهما كان مدخوله بسيطاً أو منعدماً أحياناً،
خصوصاً مع وجود المفصولين الذين لم يعودوا لوظائفهم بعد، إلى زيارة عيادة
طبيب ما لأنه كان طبيبه المعالج في المستشفى كي يتأكد ويطمئن إلى علاج مرضه
كما ينبغي، وفي كثير من الأحيان أيضاً يضطر الطبيب نفسه – وهو الموقوف عن
العمل المقتطع من راتبه الأساسي- إلى عدم أخذ مبلغ الاستشارة حين يكون
عارفاً بوضع مريضه المادي. حالٌ كهذا يتسبب بخللٍ ماديٍّ وصحيٍّ للمريض،
وخللٍ ماديٍّ وعاطفيٍّ للطبيب إن أخذناها من منظورٍ إنسانيٍّ بحت.
الخلل
الآخر الذي يتسببه هذا التوقيف غير المبرر، خصوصاً مع عدم وجود قضايا ضد
بعض الموقوفين من أطباء وممرضين ومسعفين وتبرئة من كان متهماً منهم بتهمٍ
كيدية، هو التأخير الذي يتعرض له المريض إذا ما اضطر إلى الذهاب إلى مستشفى
السلمانية. تأخير في الموعد يصل إلى أكثر من ساعتين، وهو ما حدث معي مثلاً
في ذلك اليوم وبالطبع يحدث مع كثيرين غيري وبشكلٍ مستمر.
قبل هذا
الموعد بأسبوعين أو يزيد، ذهبتُ لمراجعة إحدى العيادات الخارجية في
السلمانية، وفوجئت أن اسم الاستشاري الموقوف أو المُقال أو المتقاعد، إذ لا
فرق في التسمية ما دام أُبْعَد عن منصبه مرغماً، على اسم المواعيد وعلى
رأس العيادة، وأن هنالك نقصاً في القسم كما أخبرتني إحدى الممرضات! فلماذا
يُستَغْنَى عن الأطباء بهذه الطريقة والوطن والشعب بحاجة إليهم؟!
خلاصة
القول: إن المستشفى يعاني نقصاً في الكوادر في أكثر من قسمٍ، وهناك أطباء
وممرضون ومسعفون ما يزالون موقوفين، وآخرون ينتظرون قرار توظيفهم، في حين
أن الوزارة لا تألُ جهداً في نشر طلبات التوظيف في الدول العربية بحثاً عن
أطباء في نفس التخصصات!
أوقفوا هدر طاقات الوطن، ليعودَ معافاً مكتفياً بأبنائه عن غيرهم.
سوسن دهنيم
صحيفة الوسط البحرينية