يخطئ من يعتقد أو من يدعي أو يزعم بأن الحل الأمني المرن الذي يستخدم في البحرين في مواجهة حراك المعارضة الوطنية في منع المسيرات والاحتجاجات، بالإضافة إلى الرهان على الوقت، سوف يعمل على انحسار واضمحلال الحراك الشعبي المطلبي الذي تقوده المعارضة. ومن لايزال يعتقد ذلك فهو واهم، وعليه أن يتعظ من دروس وعبر تاريخ حركات التحرر العالمي في الشرق والغرب ورياح الربيع العربي، والتي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن لا أحد يستطيع أن يوقف عجلة التاريخ أو أن يؤخر الربيع، فهذه سنة الحياة التي أوجدها الخالق جلت قدرته ولن تجد لسنة الله تبديلا.
إن الحصافة السياسية التي يجب أن يتمتع بها أي نظام سياسي تكمن في القراءة الواعية والواقعية للظروف الذاتية والخارجية، فمن كان يتوقع سقوط أنظمة قوية كنظام مبارك وبن علي والقذافي وصالح، والأسد الذي هو الآن على قارعة الطريق.
إن تلك الأنظمة الشمولية كانت تملك من الأجهزة الأمنية والقمعية أكثر من عدد أصابع اليد ولكنها تفككت وانهارت أمام الإرادة الوطنية لشعوب تلك الدول، وهنا نقول: على كل من يمتلك الحصافة السياسية أن يسأل نفسه: لماذا واجهت شعوب تلك الدول الأجهزة الأمنية القمعية بصدور عارية؟ الجواب الذي لا تريد أن تفهمه الأنظمة القمعية أو قد تفهمه متأخرةً كما حدث لمبارك وبن علي والقذافي وصالح والأسد حالياً، أن الشعب إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر كما قال الشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي. والشعب البحريني، كغيره من الشعوب العربية، يعشق حياة الحرية والعدالة والمساواة، وتاريخه النضالي يشهد على ذلك. فهذا الشعب يمتلك تاريخاً نضالياً ضد المستعمر والاستبداد، يمتد على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان. وهو ليس بأقل من شعوب الربيع العربي تطلعاً إلى استنشاق عبير الديمقراطية التي تكفل له مشاركة حقيقة لا شكلية في صنع القرار السياسي.
وعلى رغم الاحتقان السياسي والمذهبي بسبب سيطرة الأطراف الراديكالية من هذا الفريق أو ذاك على المشهد السياسي، وعلى رغم اعتقاد حفنةٍ من المأجورين ممن باعوا نفوسهم مقابل المال في سوق النخاسة الدينية والإعلامية من أجل بث نار الفرقة وكراهية الآخر بأنهم قادرون ومن يقف وراءهم على ضرب مطالب الشعب البحريني في مقتل، فإن الشعب البحريني يقول لكم أنتم واهمون، فالشخوص تذهب وتبقى الشعوب وبيننا وبينكم التاريخ.
وعلى رغم انشطار وتشرذم المجتمع البحريني وكان آخره انشقاق الحركة العمالية والتي تقف وراءها أطراف معروفة باتت مكشوفة، يضاف إلى ذلك أخطاء استراتيجية وتكتيكية ارتكبتها جميع أطراف العملية السياسية، فإنه لاتزال أمامنا فرصة عظيمة يجب استثمارها من أجل رأب الصدع وتنقية الأجواء من الاحتقان السياسي والمذهبي، وكذلك من الغاز المسيل للدموع! هذه الفرصة تتجسد في أجواء شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن، هذا الشهر العظيم بأجوائه الإيمانية وروحانياته يجب أن يستفيد منه الجميع في جسر الهوّة وتليين القلوب التي تخشبت واخشوشنت حتى أصبحت الشخصنة والتصيد في الماء العكر والمناكفات العقيمة سمة التعامل وسيدة الموقف، حيث غيبت بقصد أو دون ذلك مصلحة الوطن والمواطن.
إن الليالي الرمضانية البحرينية بأجوائها الحميمية المعروفة من شأنها أن تقرب المسافات وتذيب الجليد، فأهل البحرين بطيبتهم ونبل أخلاقهم قادرون على السمو على خلافاتهم وجراحاتهم، وعلينا ألا نفوّت هذه الفرصة، فمن فاته الفوت ما ينفعه الصوت.
إن منظومة الحكم في البحرين هي المعنية رقم واحد بالأمر، وبالتالي عليها أن تقرن الأقوال بالأفعال ولا تفوت الفرصة، وأن نرى وبمناسبة هذا الشهر الكريم دعوة صادقة وصريحة من منظومة الحكم للقوى الوطنية لحوار منتج ومتكافئ وغير مشروط. وأعتقد جازماً بأن الشعب البحريني الأصيل يريد الحوار الذي يؤدي إلى أن يكون الشعب مصدر السلطات جميعاً كما ورد في دستور 2002 وهذا أمر ليس بدعة بل نصت عليه جميع الشرائع السماوية قبل الوضعية.
إن الشعب البحريني الأصيل الذي خرج في 14 فبراير/ شباط وفي فزعة الفاتح، لن يقبل مهما طال الزمن أن يعود الوضع السياسي والمعيشي إلى ما قبل 14 فبراير 2011، ومن يعتقد غير ذلك فعليه أن يأخذ دورات خاصة في ألف باء السياسة. فالقوى الوطنية على مختلف توجهاتها وانتماءاتها المذهبية والعقائدية والتي تقود الشارع السياسي، تتفق على أكثر من 80 في المئة من مطالب الإصلاح و20 في المئة الباقية قابلة للتفاوض ويمكن تزمينها، فالسياسة لا تؤمن بالمستحيل.
إن استمرار الجمود السياسي في البحرين لا يخدم إلا حفنة قليلة والتي تقتات على هذا الجمود، وإن استمرار منظومة الحكم في البحرين في المراهنة على الوقت والحل الأمني المرن واستراتيجية خنق التظاهرات التي تنظمها المعارضة الوطنية، يضع القوى الوطنية البحرينية قاطبةً أمام مسئولية وطنية جسيمة وبالتالي يتوجب عليها اليوم قبل الغد التداعي إلى حوار وطني صريح وشفاف وغير مشروط، وذلك لكي يتم الاتفاق على سقف مطالب محددة للإصلاح، تمثل الإرادة الوطنية للشعب البحريني بجميع مكوناته يتم تقديمها حزمة واحدة لمنظومة الحكم. حينها لا أعتقد بأن مثل هذه المطالب المجمع عليها من قبل القوى الوطنية سوف ترفضها أو تتجاهلها القيادة السياسية.
لذا فإن رمضان فرصة عظيمة أمام الجميع، فاغتنموها وعضّوا عليها بالنواجذ واحضنوها كما تحضن الأم وليدها، لا تضيعوها كما ضاعت فرص عديدة من قبل لأن البديل هو ترك البحرين وشعبها إلى المجهول… «فإن فاتكم الفوت ما ينفعكم الصوت»… فمن يرفع الشراع؟
عيسى سيار
صحيفة الوسط البحرينية