ثلاثة
أيام في البحرين لا تكفي الشاعر حتى الوصول إلى قلب دلمون، حيث تشرب
القصيدة من ماء الأسطورة في بلاد يقول أهلها الطيبون إن البحرين . . بحر
مالح، وبحر عذب، وهناك في مكان ما تقع عين عذاري التي تشكل جزءاً من
الذاكرة الشعبية والثقافية عند الشعراء على وجه التحديد، هؤلاء الذين
يشتقون من الماء أسرار الشعر، ويذهبون في أسفارهم المائية إلى أقصى الحلم
وأقصى الواقع .
البحريني
طيب القلب وطيب الروح بالفطرة، له مذاق إنساني عذب، ومرة أخرى عذوبة
الماء، تلك العذوبة التي تشبه عذوبة الشعر، الفن المولود من اللغة ومن
القلب، إنه الشعر الذي يتكاثر كما يبدو القرب من البحار وضفاف الأنهار، كما
يتكاثر في الصحراء والجبال وحتى الغيوم .
ما الذي تبقى إذاً من مكان لا يولد فيه الشعر؟
يبدو
الشعر كائن كل الأماكن، ابن الإنسان وابن المكان بامتياز، إنه غناء مشغول
بالقلب وفي القلب منذ هوميروس وحتى قاسم حداد، وعلوي الهاشمي، وأمين صالح،
وعلي الشرقاوي، وغيرهم وغيرهم من سكان القصيدة في البحرين وفي كل مكان في
هذا العالم الذي لا تبرد رأسه الحامية إلا بماء الشعر .
شعراء
البحرين، ومنذ وقت مبكر، كانوا ومازالوا يقيمون معماراً متوازناً بين
القصيدة الكلاسيكية المبنية على ثقافة تراثية عريقة، وبين القصيدة المنتمية
إلى التجديد والحداثة والمعاصرة من دون أن يخسروا أي ثوابت أو مستجدات في
سياق هذا التوازن الشعري الذي امتد أثره إلى الكثير من التجارب الشعرية
العربية، خصوصاً في منطقة الخليج العربي، والجميل في هذا السياق أن الصوت
الشعري البحريني يحتفي ويتواءم بسرعة مع قرينه في المنطقة وفي الوطن العربي
برّمته .
.
.”المحبة لا تعطي إلاّ ذاتها” يقول جبران خليل جبران المعجون أيضاً بماء
وتراب الشعر، كأن الشعر ليس فقط رسالة جمال، بل هو أيضاً رسالة سلام،
ورسالة قلب ورسالة حب ومحبة .
الغناء،
الموسيقا، الخفّة الإنسانية، الشعر، لون المسرح وضوء المسرح، المنحوتات
العجائبية الهادئة الصامتة التي تلجم صوت الصخب، الرسم بأصابع من فضة،
البحر الذي بحران، وقبل وبعد كل ذلك الإنسان الغني في روحه وفي قلبه، ثم،
الشمس الحنونة على النخيل، والنخيل الحنون على التراب . . كل ذلك قصيدة
دلمون، قصيدة الأصدقاء الذين يكتبون الشعر بأصابع يجري فيها الماء