المنشور

نهايــة بحّــار*


ترجّل الفارس النبيل والمناضل المقدام الذي أفنى حياته من أجل وطنه الكويت وقضايا أمته العربية… رجل الدولة المسؤول؛ مدير الشرطة الأول والدبلوماسي الكويتي الأول… أحد رواد القصة القصيرة في الكويت مؤسس الحركة الرياضية الكويتية… نائب الأمة الذي لم يكمل أيًّا من الفصول التشريعية الثلاثة التي فاز فيها بعضوية مجلس الأمة باستقالته مرة وجراء الانقلابين السلطويين على الدستور مرتين… الإنساني الذي أنشأ المنظمة العربية لحقوق الإنسان وفرعها الكويتي… القطب العروبي المؤسس لمركز دراسات الوحدة العربية والمؤتمر القومي العربي…
 
توقف عن الخفقان القلب الكبير قلب جاسم عبدالعزيز القطامي… جاسم عبدالعزيز القطامي هو الأخ الشقيق للشهيد محمد عبدالعزيز القطامي الذي ضرّجت دماؤه الزكية أرض “السوق الداخلي” في مارس من العام 1939 بعدما عطلت السلطة مجلس الأمة التشريعي الأول، واستشهد معه في اليوم ذاته محمد المنيس، فكانا أول شهيدين كويتيين يقدمان حياتيهما قربانا على مذبح الديمقراطية… وبعد استشهادهما بعشرين عاما في فبراير من العام 1959 ألقى جاسم خطابه التاريخي الشهير الذي صدح فيه بدعوته الجريئة بأنّه “آن الأوان لحكم شعبي ديمقراطي يكون للشعب فيه دستوره ووزراؤه”، ولقي بعد ذلك الخطاب ما لقيه من تعزير السلطة وعنتها، فتم اعتقاله وفُصِل من عمله كمدير لشركة السينما وسُحِب جواز سفره وفُرِضت عليه إقامة جبرية بمنزله، فيما عطّلت السلطة الصحف والأندية جميعها، بما فيها الرياضية.
 
 
وقبل ذلك كان جاسم عبدالعزيز القطامي أول مدير لشرطة الكويت في 1954، بعد تخرّجه في كلية البوليس بمصر، حيث أشرف على تنظيم قوة الشرطة الكويتية وتحديثها، ولكن جاسم لم يتردد لحظة واحدة عن تقديم استقالته المسببة من منصبه الأمني الرفيع، وتضامن معه عدد من ضباط الشرطة الكويتيين، وذلك عندما صدرت إليهم الأوامر في نوفمبر من العام 1956 بقمع المسيرات الشعبية للتضامن مع شعب مصر ضد العدوان الثلاثي… فياله من موقف تاريخي مشرّف ويالها من تضحية.
 
معارضة جاسم عبدالعزيز القطامي للسلطة لم تمنعه في العام 1961 بعد نيل الكويت استقلالها بأيام من أن يوافق على طلب الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم بأن يُعّين مستشارا في الديوان الأميري، وأن يتولى بعد ذلك مسؤولية تأسيس دائرة الخارجية التي أصبحت وزارة، حيث شارك من موقعه كأول وكيل لوزارة الخارجية في قيادة الجهود الدبلوماسية المضنية لأن تنال الكويت الاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة في مواجهة الادعاءات العراقية.
 
 
وبعد إقرار الدستور في العام 1962 خاض أبو محمد انتخابات مجلس الأمة الأول في الدائرة الخامسة كيفان، التي تضم الخالدية وأبرق خيطان والسرة، وشكّل مع سبعة نواب آخرين من أعضاء حركة القوميين العرب وأصدقائها كتلة المعارضة الوطنية بقيادة رفيق دربه الدكتور أحمد الخطيب… وقبل نهاية الفصل التشريعي قدم النواب الثمانية في ديسمبر من العام 1965 استقالاتهم الجماعية من مجلس الأمة  احتجاجا على القوانين غير الديمقراطية التي مررتها السلطة استنادا إلى دعم الغالبية النيابية…
 
وخاض أبو محمد انتخابات مجلس الأمة الثاني في 25 يناير من العام 1967 التي زوّرتها السلطة، وشارك في إصدار البيان التاريخي الرافض للتزوير، ثم قاطع بعد تأسيسه “التجمع الوطني” انتخابات مجلس الأمة الثالث في 1971، وشارك بعدها في انتخابات الفصل التشريعي الرابع لمجلس الأمة في العام 1975، وهو أحد مقدمي أول اقتراح نيابي بقانون للإقرار بالحقوق السياسية للمرأة، وسرعان ما انقلبت السلطة على الدستور في أغسطس من العام 1976.
 
وكان لأبي محمد دوره في إصدار البيانات وتوجيه المذكرات التي تطالب بعودة العمل بالدستور، وفي العام 1981 وجّه أبو محمد مع رفيق دربه الدكتور أحمد الخطيب رسالتهما الشهيرة إلى نواب مجلس الأمة حينذاك لتحذيرهم من مغبة الموافقة على مشروع السلطة لتنقيح الدستور… وفي العام 1985 عاد أبو محمد إلى مقعده النيابي مرة ثالثة ولكن لم تمض سنة وبضعة أشهر حتى انقلبت السلطة مرة ثانية على الدستور في يوليو من العام 1986.
 
 ومن ديوانية جاسم القطامي في الشامية انطلقت مساء الاثنين 4 ديسمبر 1989 تجمعات ديوانيات الاثنين المطالبة بعودة العمل بالدستور، وفي مايو 1990 تعرض مع زميله النائب الدكتور عبدالله النفيسي إلى الاعتقال في الديوانية ذاتها ضمن حملة الاعتقالات التي شنتها السلطة ضد المعارضة.
 
باختصار لا يمكن فصل قصة حياة جاسم عبدالعزيز القطامي ومسيرته الكفاحية الثابتة عن قصة النضال الوطني الديمقراطي في الكويت ومسيرته التاريخية المتعرجة منذ الخمسينيات، فهو أحد رواد هذه المسيرة وأبرز مناضليها وأنبل ملهميها…
 
توقف قلب جاسم، فأي قلبٍ توقف عن الخفقان!
 
 
 
*نهاية بحّار قصة قصيرة كتبها جاسم عبدالعزيز القطامي ونشرتها مجلة “البعثة” في أغسطس 1948