تقديم :
يعد موضوع التحالف السياسي للمنبر التقدمي مع غيره من القوى السياسية المعارضة في البحرين من أكثر الموضوعات تعقيدا وحساسية في نضاله الإستراتيجي من أجل العدالة الاجتماعية بمفهومها الطبقي الواسع ، ومن اجل التحول الديمقراطي نحو الملكية الدستورية ، فهذا النضال يحتاج الى دقة متناهية في تشخيص الواقع السياسي الموضوعي الملموس الذي يعمل في اطاره التقدمي باعتباره حزبا يتبنى الفكر العلمي الجدلي . وهذا الفكر هو في جذوره وأسسه يؤكد ويشدد على ضرورة اقامة التحالف وتجنب الانعزال. إذ يعد التحالف هنا أداة رئيسية لابد منها لعملية التغيير نحو تحقيق الأهداف الإستراتيجية الذي يناضل التقدمي من أجلها .
غير أن المنهج المادي الجدلي يؤكد على أن أقامة مثل هذا التحالف يجب أن يأخذ في الحسبان بشكل موضوعي مجموع العلاقات بين جميع الطبقات في المجتمع وبالتالي حسبان الحساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع ذلك أن وجود أحزاب سياسية مختلفة ومتنافسة يكمن أساسا في البنية الاقتصادية للمجتمع ، فتظهر الاحزاب السياسية الى حيز الوجود وتجتذب الدعم وتواصل وظيفتها كممثلة لمصالح طبقية ، وإن التحليل الطبقي الدقيق لمجتمع البحرين سيجعل من المنبر التقدمي قادرا على تشخيص القوى المؤيدة والقوى المضادة وبالتالي التحديد الصحيح لامكانيات التعاون مع هذه القوى او تلك واقامة التحالف معها على هذا الاساس.
غير إن الموضوع هنا لا يتعلق بتحالف المنبر التقدمي الاجتماعي الطبقي الذي يقوم على أساس الاهداف والمصالح الطبقية بهدف تحقيق مكاسب جديدة لصالح القوى الطبقية المتحالفة بل يتعلق بتحالفه السياسي الذي تشترطه الوقائع والمهام الفعلية في اللحظة التاريخية المحددة .
تنسيق فاعل ومشاركة واقعية
وقد شارك المنبر التقدمي منذ التأسيس في التنسيق السداسي بين القوى السياسية المعارضة ، وبفعالية في مشتركات القضايا الوطنية ،أبرزها ملف التعديلات الدستورية ، وقدم وثيقة لتعديل الدستور مرتبطة بواقع الفصل التشريعي الأول ، كما شارك المنبر في الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان برؤية نقدية متقدمة لقانون الجمعيات السياسية ، وقانون التجمعات والمسيرات ، وشاركها في ملف التجنيس وقضايا التعذيب والعدالة الانتقالية ، وملفات أخري يتشارك في طرحها وأن اختلف أحيانا مع القوى السياسية في أساليب النضال من اجل معالجتها ، وكان هو من أطلق فكرة مؤتمر الحوار الأول بين جميع القوى السياسية في البحرين واستمراريته في مؤتمر الحوار الأول ، وصاغ ووقع على العديد من البيانات المشتركة للأحداث التي كان تعصف بالوطن وفي الفعاليات والندوات المتعلقة بهذه الأحداث .
كما شارك المنبر التقدمي في التحرك الذي شهدته البحرين منذ الرابع عشر من فبراير 2011، بقرار ديمقراطي صدر من للجنة المركزية في اجتماعها المنعقد بتاريخ 15/2/2011 من منطلق كما جاء في القرار وفي وثيقة المراجعة النقدية ( الالتزام بالمطالب المشروعة في الملكية الدستورية، في إطار الشرعية الدستورية والقانونية، وبالحقوق المعيشية للمواطنين والتي كانت عناوين هذا التحرك في البداية، وانسجام هذه المطالب مع أهدافنا ومطالبنا السياسية التي ينص عليها نظامنا الأساسي وبرنامج عملنا ) .
وكان التقدمي يرى كما ورد في وثيقة المراجعة النقدية ( إن فرصة سانحة قد نشأت في البلاد للدفع بإصلاحات سياسية ودستورية جذرية، تحت زخم التحرك الشعبي والمتغيرات في المحيط العربي .. ، ولكن هذه الفرصة أعاقتها عوامل عدة، في مقدمتها الذهنية الأمنية التي تعاملت مع المطالبات الشعبية منذ بدء انطلاقها في 14 فبراير الماضي بروح القمع والتنكيل بالمحتجين، وأدت إلى سقوط عدد من الضحايا والجرحى مما دفع بالأمر نحو التأزم، وعدم إبداء الجمعيات السياسية المعارضة للمرونة الضرورية في التعاطي مع جهود ولي العهد لإطلاق حوار وطني بعد تكليفه بذلك من قبل جلالة الملك، وتفاعل الأحداث بعد ذلك حتى تحولت القضية الى ورقة تجاذب إقليمي وحتى دولي، وبلغ الأمر ذروته بالخط التصعيدي لبعض الفئات المنخرطة في هذا التحرك، والتي طرحت في مرحلة لاحقة منه شعارات اسقاط النظام، التي تبناها ما عرف ب”الائتلاف من أجل الجمهورية وقد أكد المنبر التقدمي في إطار المواقف الجماعية للجمعيات السياسية او في الاتصالات التي أجراها قادته مع الأطراف المتشددة في المعارضة على موقفه بضرورة التمسك بالمواقف التي اتفقت عليها المعارضة، وعدم دفع الأمور نحو التصعيد من خلال بعض الفعاليات أو الشعارات، مما أدى إلى إضعاف وتشتيت الجهود الموجهة نحو الإصلاح الذي كنا نرى أنه كان ممكنا وواقعياً. )
نقد ذاتي في وثيقة ملزمة
ولعل المنبر التقدمي هو التنظيم الوحيد من بين القوى السياسية الذي مارس النقد والنقد الذاتي وبشجاعة لمشاركته في أحداث فبراير ، إذ أشارت وثيقة المراجعة النقدية بوضوح إلى أن ( المنبر قد أخطأ في عدم الإعلان عن موقفه هذا للرأي العام وللمجتمع في بيان مستقل ليكون على بينة من موقفنا، ومن الجهود التي بذلناها ضد التصعيد الذي بلغه التحرك حتى لو كان هذا الموقف سيثير حفيظة المشاركين في التحرك المذكور والمعتصمين في الدوار، وسيشتت الموقف الموحد للمعارضة ، حيث لم يكن كافياً أن يذود المنبر عن موقفه في إطار اللقاءات والاتصالات، والمساهمة في الجهود التي بُذلت لمنع التصعيد ) .
وقد أقر المؤتمر العام هذه الوثيقة وصادق عليها وأصبحت من قرارات المؤتمر الملزمة للجنة المركزية ومكتبها السياسي التي يتعين التقيد بها ، وهي وثيقة هامة ، تجعل بالإضافة إلى أحكام النظام الداخلي ، وما رسمه البرنامج السياسي من نهج ومبادئ وأهداف ، كافية للمحافظة على هوية التقدمي واستقلاله التنظيمي والفكري ، وتجعل من المخاوف بأن يتحول التقدمي ( إلى المعسكر الطائفي الذي تقوده جمعية الوفاق أو يكون عبدالنبي سلمان امتداد لفكر هذه الجمعية ) هي تخاريف متهالكة لا محل لها على الإطلاق ، فليس من يحدد سياسية التقدمي ويرسمها فرد أو مجموعة الأفراد ، أو يحددها الحياء أو الخجل ، أو عاطفة التهاني والتبريكات ومن يقرأ محاضر اجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي ، وبياناته المتعددة من مجمل القضايا الوطنية يجد إلى اي مدى كان التقدمي واضحا وواقعيا في اتخاذ القرار ، وليس في مقدور اللجنة المركزية الراهنة أن تحييد عن قرارات المؤتمر العام باعتباره السلطة العليا و ليس في مقدورها أيضا أن تحييد عن أهداف ومبادئ وهوية المنبر التقدمي التي أكد ونص عليها برنامجه السياسي .
التقدمي ملك لجميع أعضاءه
وإذا كنا نقدر ونحترم كل رفيق كان قد قدم استقالته من عضوية المنبر أو من اللجنة المركزية على خلفية موقف المنبر من أحداث فبراير ، أو على خلفية نتائج انتخاب اللجنة المركزية في المؤتمر العام السادس ، فانه لا يصح على الإطلاق وصف هؤلاء بالانتهازية أو بأنهم يمينيون ومتآمرون وهدفهم النيل من كيان المنبر ، لكنه في نفس الوقت لا يصح التهويل من هذه الاستقالات كما فعلت جريدة الأيام في صفحتها الأولى وفي بعض المقالات . كما لا يجوز وصفها بأنها استقالات ( باطلة ) ، كما وصفها كاتب مقال ( درس في بناء الحزب ) الذي نتفق معه على أنه ( من الجنون بمكان أن يتخلى الجسد عن احد أعضائه. إن الحزب الثوري ملك للأعضاء الثوريين.. ملك للطبقة العاملة الثورية.. وليس ملكا لفلان وعلان أو ملكا لأمينه العام! ) ، غير أن المستقيلين هم أول من يعلم تمام العلم إن المنبر التقدمي منذ التأسيس وحتى اللحظة لم يكن ملكا لفلان أو ملكا للامين العام ، كما نتفق معه بأن ( على الذين قدموا استقالاتهم من حزبهم الثوري ( أن يعودوا إلى صفوف حزبهم …. ) وان ( إصلاح الخلل لا يأتي من خارج الحزب وبالاستقالة.. وإنما العمل داخل الحزب بتعزيز إرادته التقدمية الديمقراطية العلمانية ووحدته على طريق الوطنية والأممية ونبذ الطائفية … ) غير أن على مقدم هذه النصيحة الثورية إن كان جادا في بناء الحزب ، أن يترك عنه خرافة الاعتقاد بأن المنبر التقدمي كان أو سيكون رهينة لأجندة ولاية الفقيه.. أو الارتزاق على فتات مائدة جمعية الوفاق الإسلامية… إذ لم يعد يصدق المنبريون هذه الخرافة المجترة ، اجترارا متكررا لدرجة التقزز.
نعم كنا ننشد توافقا في توزيع المسئوليات في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي ، غير انه من المؤسف له أن نتحدث ونتحاور كفرقين منقسمين في تنظيم عريق قدم الكثير من التضحيات من أجل الوطن ، انقسام يؤدى إلى الاستقالة ، ولعل وجود هذا الانقسام مرده ليست فقط أحداث فبراير ، أو طاولة انتخابات اللجنة المركزية ، أو خلاف فكري ، فهذه ما هي إلا نتائج لأسباب قديمة عاشها التنظيم خلال العمل السري ومنها أسباب شخصية عكست بظلالها خلال العمل العلني بدء من مؤتمر اللجنة التحضيرية لعقد المؤتمر التأسيسي للمنبر ، مرورا بالمؤتمرات التالية حتى المؤتمر العام الأخير ، وكاتب هذا المقال عايش وعاين تلك اللوبيات والاصطفافات بين بعض الرفاق في المنبر ، وهو واقع يشتد ويتعاظم بالذات عند عقد المؤتمرات العامة ، وللأسف أصبح ذلك كالعرف العام ترسخ وتغذت به الشبيبة ، وهو عرف سيء نال وأثــّر على البنية التنظيمية لحزب كان يتعين أن يحظى بصلابة وحدته الداخلية .
ترسيخ ثقافة المركزية الديمقراطية
وللخروج من هذا الواقع ، فأن مسائل عدة يتعين التمسك بها ونحسب أن أبرزها و أهمها هي ترسيخ ثقافة المركزية الديمقراطية في التنظيم ، هذه الثقافة التي لم نستطع أن نتعلمها وأن نطبقها في ظروف واقعنا العلني ، وهو ما أغفله وتجاهله كاتب مقال ( درس في بناء الحزب ) رغم إنها من أهم الأسس التنظيمية التي لا تقوم ولا تنمو و لا تتطور الأحزاب التي تتبنى الفكر العلمي الجدلي إلا بها ،والمركزية الديمقراطية تعني في مفهومها الواسع :
· تشكيل كافة هيئات الحزب بالانتخاب من أدنى هيئة من الهيئات إلى أعلى البناء التّنظِيمِيّ.
· ممارسة الرقابة الحزبية من أدنى إلى أعلى ومن أعلى إلى أدنى.
· التزام الهيئات الدنيا بقرارات الهيئات العليا المنتخبة والتزام كافة منظمات الحزب بقرارات المؤتمر الوطني العام، وبقرارات اللجنة المركزية في الفترة بين المؤتمرين.
· التزام الأقلية برأي الأغلبية مع ضمان حق الأقلية في التعبير عن رأيها وأن تناضل لتحقيقه من خلال الهيئات والأطر والقنوات التنظيمية والمؤتمرات.
· الجماعية في القيادة وفي اتخاذ القرار والمسؤولية الفردية في التنفيذ.
· تقديم التقارير الدورية من العضو لهيئته، ومن كل هيئة للهيئات الأعلى.
· انتهاج أسلوب النقد والنقد الذاتي
ولا يشد النظام الأساسي للمنبر التقدمي عن هذا المفهوم للمركزية الديمقراطية ، فقد نص عليها بوضوح في هذا النظام ، وعلى الرغم أن البعض من اللذين أصابهم اليأس بانهيار النموذج الاشتراكي وتنظيمه اللينيني يرى أن مبدأ المركزية الديمقراطية بات من الماضي نتيجة لهذا الانهيار غير إن هذا الرأي لا تسانده الممارسة. وقد كشفت تجربة المنبر التقدمي في الحياة السياسية العلنية أهمية مبدأ المركزية الديمقراطية لصون وحدته الداخلية ، ليس على مستوى هيئاته القيادية فحسب بل على مستوى أعضاءه في الهيئات القاعدية والقطاعية ، إذ على الرفيق الحزبي المناضل بمجرد قبوله عضوا في المنبر التقدمي أن يقبل بضرورة التقيد بمبدأ المركزية الديمقراطية ، وعليه أيضاً أن يقبل بالآليات التي تضع القرارات موضع التنفيذ. وهذا لا يعني الانتقاص من آرائه أو اقتراحاته، أو من آراء ومبادرة الجماهير، بل بالعكس هذا يعزز من مناخ الديمقراطية ، وتنوع الآراء، وزيادة الثقة بالتنظيم الذي انتمى إليه ، ولا يعني ذلك أيضا قيام مركزية دون ديمقراطية ، غير أن الديمقراطية في عمل الحزب تعتمد على تحديد الحرية الفردية لصالح القرارات التي تتخذها الأغلبية، يعني، لا يمكن أن تُنفذ الديمقراطية بدون مركزية. ذلك أن تقييد حرية الفرد ضمن الجماعة هي سمة الديمقراطية.
ولا يعني هذا المبدأ أيضاً، الانقياد المركزي الأعمى وراء القيادة. بل يعني صحة ممارسة المبدأ، وحق الرأي الآخر في المبادرة والاعتراض والمحاسبة ضد أي هيئة أو أي مسئول ، واللجوء إلى كل وسائل النظام الداخلي لتبيان الأخطاء أو المخالفات، مع الحفاظ على مبدأ النقد والنقد الذاتي. وذلك كله يتم فقط في إطار الهيئات والأحكام التي نص عليها النظام الداخلي ، ولا يتم في أطار الاستقالات أو الابتعاد عن المشاركة في هيئات التقدمي وأنشطته .
والمركزية الديمقراطية، ليست مجرد صيغة تنظيمية انتقائية، أو مبدأ حديدي، بل هو مبدأ ضروري في حزب ثوري يخوض صراعاً طبقياً مريراً وشاقاً ضد الطائفية للخروج من الأزمة الراهنة ومن أجل العدالة الاجتماعية وتحول ديمقراطي حقيقي .
قراءة الواقع
كما تأتي قراءة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البحرين ، وواقع القوى السياسية ، قراءة تأخذ في الحسبان الدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع ، مهمة عاجلة للقيادة الجديدة بمشاركة كافة الأعضاء ، كي نصل بهذه القراءة لتحديد موقفنا من مجمل القضايا الشاخصة في مجتمع البحرين ومن الأزمة السياسية التي يمر بها ، ومن تحالفات المنبر التقدمي مع غيره من القوى السياسية . وهي المهمة التي أكد عليها الرفيق حميد خنجي في مداخلته القيمة في اللقاء الداخلي ، وهي تحتاج لفعل التنفيذ دون تأخير .