دائماً ما تخلق الأزمات السياسية والاقتصادية طبقةً استغلاليةً نفعيةً تجد من الظروف الاستثنائية خلال الأزمات جوّاً مناسباً لنموها وتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الآخرين.
فمثلاً في الأزمات الاقتصادية، تبرز ظاهرة السوق السوداء واحتكار السلع والمواد الغذائية المطلوبة، ليتم بيعها في الخفاء بأسعارٍ تتجاوز قيمتها الحقيقية بعشرات الأضعاف، لتصب في نهاية المطاف في جيوب فئةٍ قليلةٍ من التجار الذين نامت ضمائرهم واستحلوا الكسب على حساب قوت الناس.
وهكذا الحال في الأزمات السياسية الكبرى، عندما تكون الضمائر لدى البعض سلعةً معروضةً للبيع والشراء، كلٌّ حسب سعره.
لا نحتاج لكثير من الذكاء لنعرف من عرض نفسه للبيع ومن باعها بالفعل، وكم كان السعر؛ ففي زمنٍ كزماننا هذا، لا شيء يظل في الخفاء، فالكثير من المستندات تم تسريبها ووصلت للجميع، ومن بين هذه المستندات إيصالات تم بموجبها شراء سيارات فخمة، ومناقصات بعشرات الآلاف من الدنانير أسندت للبعض، بخلاف العطايا لكل كذبةٍ وكل شتيمةٍ يتم إطلاقها.
منذ أكثر من عام وثلاثة أشهر ونحن نقرأ الشتائم يومياً، ولا شيء آخر؛ يتبارى البعض ويتفنّن في إطلاق النعوت والأوصاف والتهم والتخوين، والنفخ في نار الطائفية، والتحريض على الانتقام، حتى استطاعوا خلال هذه الفترة من أن يجعلوا من أبناء الوطن أعداءً.
كلما بدت بوادر لحل الأزمة، ازدادت جرعة الكراهية لديهم وكمية الأحقاد التي يبثونها. وكلما ظهرت أصوات وطنية تعمل على لم شتات الوطن، ارتفعت لهجة التخوين. وكلما صدرت أحكام مخففة بحق المعارضين، اتُّهمت الدولة بالرضوخ.
لم نسمع يوماً من مثل هذه الأصوات ما يوحّد الناس أو يدعو لتأليف القلوب وتوحيد الصفوف. لم نقرأ لهم يوماً رأياً يقترحونه للخروج من الأزمة. لم نسمع منهم يوماً ما يوحي بأن لديهم ضميراً حياً صادقاً مع نفسه قبل أن يكون صادقاً مع الآخرين. ولن نتحدث عن المبادئ، وحقوق الإنسان، وقيم الحق والعدل والمساواة والمواطنة، فمثل هذه العناوين لا يمكن أن تدخل في قواميس مصطلحاتهم.
كل ما يقومون به هو الرفض لكل ما يُصلح أحوال الناس وحياتهم، وتحريض الناس على أية مبادرة للمصالحة الوطنية. كل همهم أن تبقى الأزمة قائمةً، فإنهم باقون ما دامت هناك أزمة.
من الذي باع الوطن بأبخس ثمن وخان أهله وفرّط بوحدته وانسجامه؟ من الذي زرع الخوف والحقد بين الناس؟ من الذي مازال يؤجج نار الطائفية؟
صحيفة الوسط البحرينية – 19 يونيو 2012م