من حيث أرادوا أو لم يريدوا يتحمل الأخوان المسلمون في مصر مسؤولية أساسية في قطع مسار الثورة المصرية حين أظهروا شهوة طاغية في السلطة، ورغبة أنانية في الاستئثار بالمواقع الأساسية في المجتمع، لذا نكثوا، مراراً، بما كانوا قطعوه من عهود أمام القوى السياسية والمجتمعية الأخرى وأمام شباب الثورة: أولاً بألا يترشحوا للانتخابات التشريعية بأكثر من ثلث عدد أعضاء مجلس الشعب، وألا يترشحوا لرئاسة الجمهورية، كما لم يترددوا في الهيمنة المطلقة على الهيئة المناط بها كتابة الدستور الجديد، وأصروا على تهميش القوى الأخرى.
لقد بعثوا بهذا السلوك رسائل سلبية لكافة الجهات: لليبراليين والناصريين وكل قوى المعسكر الوطني المناهض للاستبداد، والحريص على الميراث التنويري التعددي للمجتمع المصري، وكذلك لملايين الأقباط الذين يخشون حكما متزمتاً لا يراعي حريتهم الدينية، وللشباب الذين خرجوا لميدان التحرير ولم يقدموا كل هذه التضحيات من أجل استبدال استبداد بآخر نظير له، ويمكن أن يكون أسوأ منه.
لقد أضاع الأخوان فرصة تاريخية لمصر في المقام الأول في أن تجتاز المرحلة الانتقالية نحو الأفق الديمقراطي التعددي، وفي المحصلة أضاعوا على أنفسهم فرصة أن يكونوا قوة محورية بين قوى التغيير، في إطار جبهة وطنية ديمقراطية واسعة، تنتقل بمصر، بكل ما لها من وزن سياسي وبشري وتاريخي، إلى المستقبل، مظهرين بذلك عجزهم عن الخروج على بنيتهم المغلقة، الأقرب للشمولية، ورغم انهم لمحوا أو حتى جاهروا بأنهم يرون في نموذج الاسلاميين الأتراك مثالاً لهم في ادارة الدولة والمجتمع، الا أن التجربة الوجيزة بعد ثورة 25 يناير أظهرت أنهم غير مهيئين لاستيعاب هذا النموذج.
الفترة التي مرت منذ ثورة يناير حتى اليوم فترة قصيرة، ولكن في طياتها من الدروس والعبر السياسية ما يعادل دروس عقود كاملة، فسوء تقدير الأخوان للتعقيدات المحيطة بمرحلة التحول في مصر، داخلياً وخارجياً، وما كشفوا عنه من قصر في النظر، ومن لهث وراء الغنائم السياسية لثورة لم يكونوا هم من فجرها، حتى وإن كانوا التحقوا بها، فتصرفوا كأن الثورة ثورتهم، وأن لا أحداً سواهم جديربأن يكون شريكاً لهم في رسم خريطة طريق البلد ما بعد الثورة، وإلى ذلك استخفوا بموازين القوى المعقدة في المجتمع المصري، والتي لم تلغها الثورة، حتى لو كانت قد خلقت اصطفافات جديدة، ولكن المجتمع ما زال في حالة سيرورة سياسية لم تثبت على حال بعد.
كان يمكن للأخوان لو أنهم تواضعوا وغلبوا البصيرة السياسية على الحساب المنفعي أن يكون جزءاً مما دعوناه جبهة وطنية شعبية واسعة من مختلف الأطياف الرافضة لإعادة انتاج الاستبداد في حلة جديدة، يصبح كل الحريصين على بناء مصر الديمقراطية شركاء فيها، لكنهم اختاروا الطريق الخطأ. لن نفقد الأمل في قدرة المصريين على إنقاذ ثورتهم من الغدر، لكن التجربة تعلمنا أن الحياة لاتجود بالفرص ذاتها كل شهر أو كل سنة أو حتى كل عشر سنوات، ونخشى أن تكون هذه الفرصة قد ضاعت، ولو إلى حين !.
18 يونيو 2012