المنشور

التنظيمات السياسية.. وإقصاء الآخر !!


كثيراً ما نتحدث عن الاختلاف والديمقراطية ولكن ما ان تتباين وجهات النظر ويحتدم الجدل حول الكثير من القضايا السياسية والمواقف الفكرية حتى نتعصب ونصادر الرأي الاخر وبدلاً من البحث عن نقاط الاتفاق والمسائل المشتركة نقصي الاخر رأياً وفكراً، والأدهى من ذلك نصنّف المختلف في خانة العار والانهزامية والانتهازية!!هذا يحدث أو ما يجري في اغلب الاحزاب السياسية العربية؟ لماذا؟ لأن لا مكان في صفوفها للمختلف وهذا يعني أما معنا أو ضدنا!! اذاً كيف الخروج من هذا المرض المزمن والمتفشي بين بعض النخب السياسية؟
 
هذا ما يجب البحث عنه خاصة ان تلك الاحزاب وتلك المنابر لا تزال مسكونة بأفكار وقناعات تدعي باحترام ثقافة الاختلاف في حين ان ممارساتها السياسية لا تحترم الرأي الاخر!! وحينما نتحدث عن اقصاء الاخر من أحزابنا العربية لا نقصد ان هذه المنابر لا تؤمن بالمبادئ الديمقراطية وإنما نقصد استغلال الآليات الديمقراطية لإزاحة المختلف، وهذا من شأنه يهدد وحدتها الداخلية وخاصة اذا ما كانت تلك الاحزاب تشهد أوضاعاً داخلية وتنظيمية تبعث وتساعد على الانقسام!! وهذا بطبيعة الحال يحمّل النخب السياسية مسؤولية كبرى لأن لا يكفي ان ترفع الوحدة كشعار في برامجها السياسية في حين انها في أمس الحاجة الى ادارة خلافاتها الداخلية بعيداً عن الكراهية والاقصاء، ونعني بذلك كيف تدير خلافاتها دون ان تفقد وحدتها وتوافقها الداخلي.
 
 وحول هذه القضية يقول محمد محفوظ في كتابه الاصلاح السياسي والوحدة الوطنية: ان التنوع الاجتماعي المتوفر في فضائنا والاختلاف الثقافي (والسياسي) يدفعنا الى ضرورة وإرساء تقاليد التواصل والحوار كل هذا بحاجة الى ثقافة الاعتراف بالآخر وجوداً وفكراً؛ لأن الكثير من الاضطرابات الاجتماعية والنزاعات السياسية هي من جراء غياب حقيقة الاعتراف بالآخر. فالآخر المختلف له حق التعبير عن ذاته وأفكاره وله كامل الحق للدفاع عنها بالوسائل المشروعة، كما اننا لا نملك ازاء هذا التنوع والاختلاف الا احترام الآخر بكل ما تحمله كلمة الاحترام من مدلولات ومضامين. وأن محاولات قسر الاخرين على رأي وفكر واحد لا تفضي إلا الى المزيد من التدهور على الصعد كافة. وذلك لان ممارسة القوة في فرض الآراء تقابلها ممانعة طبيعية وسياسية مما يؤسس لعملية المواجهة والتحدث. واحترام الرأي الاخر لا يعني بالضرورة الاقتناع به، كما ان عدم الاقتناع به لا يؤدي بأي حال من الاحوال الى ممارسة العسف تجاهه ومنعه من البروز. فاحترام الاخر وجوداً ورأياً من صميم الثقافة التي تؤكد على نفي الاكراه وعلى الوقوف بحزم ضد كل محاولات عسكرة الآراء أو اخضاع الاخرين لآرائنا بالقهر والقوة». وبالتالي فإن اي اقصاء لأي طرف سياسي بدعوى الاختلاف فإنه بالضرورة يقود الى التهميش، وهذا في كل الاهوال يتنافى مع شعارات الوحدة التنظيمية التي ترفع في العلن في حين ان المستور يقول عكس ذلك! .
 
من هنا من الضروري ان تخرج تلك النخب السياسية من هذه الازدواجية التي تكرّس حقيقة واحدة لا غير وهي نفي الاخر! وقد يحدث ذلك ربما ارضاءً لدوافع ايديولوجية وعقائدية أو مذهبية وطائفية أو ربما لدوافع شخصية وطموحات فردية تبحث عن الاطراء والتصفيق الحار في المنتديات السياسية واللقاءات الاجتماعية! ولا شك ان هذه الدوافع قد تنجح لبعض الوقت وليس كل الوقت هذه حقيقة ينبغي ان تدركها النخب وإن تعيها بعقلية سياسية منفتحة احوج ما تكون الى الوحدة لا للانفراد والتفرد والانقياد وراء شعارات التعصب الطائفي والتطرف السياسي! وفي كلمات اخرى، فإن تسوية الحسابات الشخصية والسياسية على حساب التعددية والتوافق فاتورتها مكلفة وخصوصاً اذا ما كان الهدف من تلك الحسابات الاقصاء وضرب الوحدة بعرض الحائط! ولذلك فإن الوحدة الداخلية لأي تنظيم سياسي لا تتحقق في ظل العمل وراء الكواليس بغية نفي الاخر! وكذلك لا تنجز التنظيمات السياسية برامجها وأجندتها من دون تمتين تلك الوحدة، وهذا يتطلب في جميع الاحوال رص الصفوف وإشاعة ثقافة الديمقراطية والتعددية لا الانقسامات والنزعات الفردية والبطولات المصابة بداء الغرور السياسي وتضخم الذات! إذن فالعلاقة وطيدة بين الديمقراطية والتعددية واحترام الرأي الاخر، إذ لا ديمقراطية في ظل الاقصاء! أو كما يقول محفوظ: بدون ارساء قواعد وتقاليد السلوك الديمقراطي في واقعنا لن نتمكن من استيعاب الفرص المتوفرة ومواجهة التحديات الضخمة التي تواجهها ويقول ايضا: لا بد ان نسهم في خلق ذهنية قوامها الديمقراطية والانفتاح والتواصل مع الاخر واحترام الآراء والتعبيرات المتعددة وفتح المجال للحوار المتعدد والمفتوح على كل القضايا والامور للوصول الى نهاياته المنطقية.
 
إذن، فالقضية ليست في تلك الشعارات الديمقراطية التي ترفع هنا وهناك وإنما القضية كيف نمارس الديمقراطية داخل وخارج التنظيمات السياسية؟ والسؤال الملح هنا هو: كيف تناضل احزابنا السياسية العربية من اجل الديمقراطية، في حين ان اوساطها الداخلية غالباً ما تفتقد الى التقاليد الديمقراطية! ولا شك ان هذه الاشكالية تعد في مقدمة ما تعانيه تلك الاحزاب.
 
الأيام  16 يونيو 2012