هدف مؤتمر: «أمن الخليج العربي: الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم» الذي انعقد في فندق السوفوتيل خلال اليومين الماضيين هو «البحث في إيجاد آفاق رحبة للحوار حول مستجدات أمن الخليج العربي، بحيث يتناول دور مجلس التعاون وكذلك بريطانيا والولايات المتحدة في الترتيبات الأمنية الراهنة، ومؤثرات الأمن الإقليمي، ودور اللاعبين الإقليمين فيه مثل إيران وسوريا والعراق، إضافة إلى مناقشة مزايا التعاون مع الجهات الفاعلة خارج المنطقة» وكان مفيداً الاستماع إلى مداخلات عدد من المشاركين في المؤتمر المذكور الذي نظمه مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية في بريطانيا، فقد سلط أصحابها الضوء على جوانب من هذا الموضوع الشائك المتصل بأمن واحدة من أكثر المناطق أهمية في العالم، إن لم تكن أهمها على الإطلاق بسبب ما في جوفها من مخزون نفطي هائل.
أحد المتداخلين قال في جلسة أمس الأول أن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، على كثافته، لم يمنع وقوع ثلاث حروب مدمرة فيها خلال العقود الثلاثة الماضية، كما تساءل عن مدى وجاهة أن تتعاطى الولايات المتحدة مع الأمن في منطقتنا بصفته مهمة أمريكية فقط، وليس مهمة متعددة الأطراف، بالنظر إلى أن العالم كله معني بما يدور فيها، وعلينا هنا التذكير بردة الفعل الأمريكية المتشنجة حين قدم الاتحاد السوفيتي ما عرف يومها بمبادرة بريجنيف التي دعت إلى تحويل الخليج والمحيط الهندي إلى بحيرة سلام خالية من القواعد الأجنبية.
منذ عدة سنوات وضع كاتبان أمريكيان تقريراً عن الأوضاع في منطقة الخليج العربي وأفقها المستقبلي، محوره دعوة دول المنطقة إلى ما وصفاه بـ «التعايش مع المتغيرات»، منطلقين من حقيقة شبه الاحتكار الأمريكي الحالي لكل من النظام الأمني والترتيبات الأمنية الأحادية الجانب، مما يؤجل عملياً العمليات الجيوسياسية العادية في الخليج. ولاحظ كاتبا التقرير وهما: أي فولر وايان اوليسر أن التحرك نحو بنيان امني إقليمي فعال هو أمر أساسي إذا ما أريد التقليل من المخاطر، لكن هذا التقرير صيغ، هو الآخر، بروحية أن أمن الخليج هو مسؤولية الولايات المتحدة في المقام الأول وحلفائها الغربيين إلى حد ثانوي، ويغفل، لا بل يفند، مقولة أن يكون هذا الأمن جزءاً من منظومة الأمن الإقليمي المتفاهم عليه بين دول المنطقة في سياق اشمل للأمن العربي، ويبرز بصورة مكبرة أن دول الخليج الصغيرة المنتجة للنفط غير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد اللاعبين الكبار في المنطقة، فانه لا يستطيع الهروب من الإشكالات الكثيرة الناجمة عن إشاعة مفهوم أن أمن المنطقة سيظل مهمة الدول المستفيدة من نفط الخليج.
المغيب في مثل هذه الأطروحات هو أن في هذا الخليج شعوب ودول معنية بأمن هذه المنطقة، الذي هو أمنها وأمن أجيالها القادمة في الدرجة الأولى، ورغم أن دول المنطقة خطت خطوة في الاتجاه الصحيح بتشكيلها لإطار مجلس التعاون الخليجي كوحدة إقليمية تمتلك درجة من التجانس، وبتمكنها من الحفاظ على استمرار هذا الكيان رغم بعض الخلافات، ورغم الهزات الكبيرة التي عرفتها المنطقة، لكن يظل أن المنتظر من هذا الإطار أكبر بكثير من المنجز.