في ساحتنا السياسية والإعلامية يلحظ المرء خطابين: أحدهما يعيد إنتاج الأزمة ويؤجج مناخاتها لتبقى بيئة التوتر سائدة في المجتمع، يراوح في مداراتها وغير قادر على تجاوزها، وخطاب يدعو لتجاوز آثار هذه الأزمة وتداعياتها المؤلمة على كافة الأصعدة، من خلال التوقف عند الأخطاء، والعمل في سبيل تصحيحها، عبر آلية حوار وطني شامل يستوعب الأطراف الفاعلة في المجتمع، القادرة على أن تكون شريكاً في إخراج البلد من أزمته.
مصلحة البحرين ومستقبل شعبها، وآفاق الاستقرار والتنمية والعيش المشترك لأبنائها من مختلف التنويعات مرهون بالنجاح في المضي على طريق المصالحة الوطنية، وهناك العديد من التجارب التي يمكن أن نتعلم منها في هذا الاتجاه، رغم تفاوت الأوضاع واختلافها بين بلدنا والبلدان الأخرى، لكن العبرة في جوهر الموضوع، لا في التجليات التي يعبر عن نفسه من خلالها. بل أن في مثل هذه المقارنة بين وضعنا وبين تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال ما يحسب لصالحنا، فعلى الرغم من فداحة ما جرى ويجري عندنا على مختلف الأصعدة، ألا انه لا يقارن من حيث الحجم والاتساع والتداعيات مع ما شهدته بلدان أخرى.
ومن التجارب القريبة لنا والتي يمكن أن تفيدنا في أكثر من وجه تجربة المغرب حين شكل الملك محمد السادس لجنة الإنصاف والمصالحة في مطالع عام 2004، التي كان من ضمن مهامها تقرير تعويض ضحايا القمع في مراحل سابقة، وقد ترك نجاح هذه التجربة آثاراً بالغة الأهمية في الحياة السياسية المغربية، وكذلك على الصعيد الإنساني، وساعدت هذه التجربة على تمكن المغرب من المضي في المزيد من الإصلاحات السياسية المهمة.
بطبيعة التوصيات التي خلص اليها تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة المستشار بسيوني والتي يتصل بعضها بموضوع المصالحة الوطنية، تشكلت في البحرين قاعدة يمكن الركون إليها في ولوج طريق المصالحة الوطنية، من خلال معالجة ملف جرائم الاستخدام المفرط للقوة والقتل خارج القانون، وإيجاد آلية مستقلة للتحقيق فيها، وكذلك تعويض الضحايا وذويهم مما لحق بهم من عسف، على أن تشكل هذه المعالجة منطلقاً لحل سياسي شامل في البلاد، يقطع مع جراح المرحلة الراهنة التي ما نزال نعيش تداعياتها المؤلمة حتى الساعة.
والحل السياسي يتطلب تهيئة أرضيته من خلال معالجة القضايا ذات الطابع الإنساني، لكن في نهاية المطاف لن يمكن خروج البلد من الأزمة الراهنة إلا عبر الحل السياسي التوافقي، الذي يراعي التعقيدات المحلية والإقليمية، وينطلق من رغبة الشعب البحريني في المزيد من الإصلاحات، وتكون فيه الأطراف المختلفة مستعدة للبحث عما يجمع، وخلق القواسم المشتركة.
من السهل جداً إعادة اجترار الحكايات نفسها عما جرى ويجري، واستخدامها وقوداً لاستمرار التأجيج السياسي والاحتقان الاجتماعي، ولكن الصحيح هو الصعب دائماً الذي يتطلب اجتراح الحلول بايقاف دوامة العنف والتأزيم، وتطييب الجراح التي أُثخن بها الوطن وأبناؤه، وفتح طريق التصالح، بما يضمن للبحرين أمنها واستقرارها، ومعافاة الوضع الاقتصادي فيها، وتهيئة سبل إقلاعها نحو المستقبل.
13 يونيو 2012