باستضافةٍ من سلطنة عمان الشقيقة تحلقتْ حول طاولة مستديرة في مسقط، نحو عشرين شخصية مهتمة بالشأن العام من أكاديميين وإعلاميين وسواهم من بلدان المشرق العربي، كان لي شرف أن أكون واحداً منهم، ودعا الى هذه الحلقة الدبلوماسي العربي المخضرم الأخضر الإبراهيمي الذي كلفه الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربى برئاسة لجنة مستقلة من عدد من الشخصيات العربية المستقلة، من أجل وضع تصور متكامل لتطوير عمل الجامعة يشمل إعادة هيكلة الأمانة العامة وهيئات ومؤسسات الجامعة بما يزيل التضارب أو الازدواجية فى الاختصاصات، ويسد الثغرات فى عملها، ومواكبة التطورات فى عمل المنظمات الاقليمية، وخاصة فى مجال حفظ السلم والأمن، والاستجابة للرغبة الشعبية فى المشاركة بشكل فعال بطريقة ما فى أعمال الجامعة العربية، والنظر فى كيفية اضطلاع الجامعة بدور المحفز الدافع للعمل العربى المشترك.
والحلقة المستديرة التي عقدت في مسقط هي الثالثة بعد طاولتين أخريين، إحداهما عقدت في القاهرة، والثانية في تونس مع عدد من الشخصيات من المنطقة المغاربية للوقوف على رأيهم بخصوص العمل العربى المشترك وما يحتاج اليه من اصلاح وتطوير، فيما خصصت حلقة مسقط لشخصيات من المشرق العربي للغرض ذاته.
اهتم المجتمعون في مسقط بمناقشة الأسباب التي تجعل الصلة بين جامعة الدول العربية والمؤسسات التى تعمل فى اطارها من جهة والمجتمع المدني العربى من جهة أخرى لا تزال محدودة كماً ونوعاً، بالقياس الى تجارب نظيرة في العالم، وما هي السبل لتغيير هذا الوضع وبناء وسائل تعاون مثمرة تفيد الجامعة ومنظماتها المختلفة والدول الأعضاء فيها كما يفيد شعوبنا العربية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأخرى مثل الاتحادات المهنية والنقابات العمالية والجامعات وهيئات العمل الثقافي المختلفة ومنظمات الشباب وغيرها.
كما اهتموا بسبل النهوض بوضع البرلمان العربي، وسط حديث متجدد عن ضرورة تطويره ليلعب دوراً أكثر فاعلية، خاصة وأن تطوير العمل البرلماني العربي المشترك لا يمكن أن يرد في سياق منفصل عن ضرورة تطوير هذا العمل على مستوى كل بلد عربي على حدة، وفي هذا المجال أثيرت أسئلة مهمة عن مستلزمات ذلك، من ضرب كيف يمكن أن يتحقق هذا الطموح. ولم يكن بالامكان مناقشة هذه المسائل وسواها بمعزل عن المتغيرات العربية، التي شهدناها منذ العام الماضي، بالطريقة التي تطرح للسجال سؤالاً مهاً عما إذا كنا بصدد نشوء أو تشكل نظام عربي جديد، مغاير، ولو في بعض أوجهه على الأقل، عن النظام العربي السابق والذي عملت الجامعة العربية في اطاره خلال العقود المنقضية منذ تأسيسه، حيث أتى وستأتي الى الحكم في دول عربية مفصلية في المشرق والمغرب على حد سواء، وجوه وقيادات جديدة، ليس واضحاً حتى اللحظة مسارات تطور رؤاها السياسية، بعد أن أصبحت في السلطة، وما إذا كانت ستاخذ ببلدانها نحو آفاق تتسع للمزيد من الحرية والديمقراطية، اتساقاً مع شعارات انتفاضات التغيير، أم أنها، على العكس من ذلك، قد تؤدي إلى نكوص للوراء، وتضيق ذرعاً بهامش التعددية الاجتماعية والسياسية الذي تشكل نتيجة التطور المديد للمجتمع نفسه، وليس بالاملاء الرسمي.