المنشور

أفول السيادة أم تجديدها؟


ما هي حدود السيادة في عالم اليوم المفتوح على بعضه بعضاً، وما مدى صدقية الحديث عن التبعية أمام طوفان العولمة التي هَدتْ الكثير من الأسوار والحواجز، حيث لم تعد الهيمنة تنحصر، كما كانت في مراحل سابقة، في صيغة الاستعمار بمفهومه التقليدي، من حيث هو مصادرة للقرار الوطني المستقل للبلدان الخاضعة له، وإخضاعها بالقوة في معناها العسكري المباشر؟
 
مع نهاية الثنائية القطبية راجت نظريات تُبشر بما دعته أفول السيادة، حيث لم يعد من الجائز الحديث عن استقلال الدول في عالم قائم على الاعتماد المتبادل بين أطرافه المختلفة. وإذا ما وضعنا النوايا الحسنة جانباً، لأنها نوايا لا يُعتد بها في عالم السياسة الدولية القائم على البراغماتية، فاننا يمكن أن نقرأ في هذه الاطروحات تسويغاً وتجميلاً للأشكال الجديدة للهيمنة، فحدود العلاقات الدولية ما زالت تُرسم على لا قواعد التكافؤ، وإنما وفق قواعد إخضاع الضعيف من قبل القوي. وأصبح العامل الثقافي بوصفه مُكوناً أصيلاً من مُكونات هذه الهيمنة إحدى القواعد الناظمة لأشكال هذه الهيمنة، للدرجة التي جعلت بعض المفكرين في أوروبا، وفي فرنسا خاصةً، ينبهون إلى أن الولايات المتحدة استعارت مبدأ التدفق الحر للإعلام من المبدأ الاقتصادي حول الدوران الحر للسلع الذي يشكل قاعدة عمل اتفاقيات التجارة الحرة.
 
لا بد من ملاحظة أن من يُنبه إلى ذلك هم الفرنسيون والأوروبيون عامة، وهم لهم، ما لهم، من ندية ثقافية ازاء نمط الحياة الأمريكي، فلنا والحال كذلك أن نتصور كيف يكون الأمر حين نتحدث عن حال البلدان النامية، ونحن ضمنها، مع ما تتسم به هذه البلدان من ضعف وهشاشة في التعاطي مع النماذج الثقافية والإعلامية الأخرى المحمولة على وسائل اتصال وتقنية غاية في التقدم.
 
يتحدث مؤلفا كتاب: «ما العولمة» عن مفهوم مُبتكر بعض الشيء، يُطلقان عليه «السيادة الجديدة»، رغبة منهما في الذود عن مفهوم السيادة وعدم التنازل عنه أمام طغيان ما هو عالمي، من خلال إعطاء الدولة أدواراً جديدة. وينطلقان في ذلك من أن مواطني أي بلد يبقون اقليميين، خاضعين لمواطنة دولة قومية، أو وطنية إن شئنا، ورغم أن ذلك لا يعني أن الدول ذات السيادة كُلية الجبروت والقدرة داخل أراضيها، وإنما يعني أنها المسؤولة عن مراقبة حدود الإقليم الذي تمثله، ولأنها إذا كانت على درجة صادقة من الديمقراطية، تمتلك شرعية تمثيل المواطنين فيه، بما يقوي الجبهة الداخلية للبلد المعني، ويجعله محُصناً بوجه الاختراقات الماثلة، التي قد تبلغ حد تفكيك الأوطان، وإعادة رسم حدودها، على نحو ما رأينا وما قد نرى.