لا أحد يقف ضد الوحدة الخليجية أو الاتحاد الخليجي، وخصوصاً القوى الوطنية التي طالما نادت بأهمية مثل هذه الوحدة بين الشعوب الخليجية التي تشترك في مصير واحد، ولديها ما لا يوجد في أية منطقة أخرى من العالم من قواسم مشتركة تصل لحد النسب والمصاهرة.
ولكن مع ذلك لا يمكن القفز على الواقع، أو الهروب للأمام بإعلان حالة الوحدة الخليجية ومباركتها، بين ليلة وضحاها، دون معرفة ماهية وشروط وشكل هذه الوحدة. فكما أن هناك قواسم مشتركة بين الشعوب الخليجية، هناك أيضاً فوارق في أنظمة الحكم وشكل النظام السياسي في كل دولة على حدة، بالإضافة إلى التباين الكبير في القوانين والتشريعات المعمول بها، ومن المؤكد أنه لا يمكن قيام أي اتحاد بين دولة وأخرى دون تهيئة المناخ الاقتصادي والسياسي والتشريعي.
ما تم الإعلان عنه من معلومات حول شكل الاتحاد الخليجي، يزيد الأمر غموضاً بدل أن يكشف الأمر، فكل ما قيل هو أن الاتحاد سيكون فريداً من نوعه ولا يوجد له أي نظير في العالم، حتى أنه لم يعلن إن كان ما سيحدث هو وحدة خليجية أم اتحاد خليجي، وهل سيكون اتحاداً فيدرالياً أم اتحاداً كونفدرالياً.
في ظل هذا الاستعجال والغموض، وتجاهل رأي الشعوب، وعدم الكشف عن مواقف الدول الخليجية ومدى تأييدها أو تحفظها أو رفضها للفكرة، كان لابد أن تظهر مجموعةٌ كبيرةٌ من المخاوف المشروعة، وخصوصاً لدى الشعوب الخليجية التي تتمتع بقدر من الديمقراطية، والحريات السياسية والاجتماعية، ففي أي اتحاد أو وحدة لابد أن تتخلى الدولة عن جزء من سيادتها وسلطتها لصالح الدولة المركزية، فما هو المطلوب من البحرين أو الكويت مثلاً للدخول في هذه الوحدة؟ وهل سيؤثر هذا الاتحاد على ما تتمتع به الدولتان من ديمقراطية نسبية، وحرية اجتماعية وشخصية، وحرية التعبير، وهل ستتبع دولة الاتحاد النموذج الكويتي والبحريني، أم أنها ستتجه عكس التيار العالمي، وستحد من الحريات العامة؟
قضية أخرى، لابد لأية دولة اتحادية فيدرالية، أو اتحاد كونفدرالي من وجود دستور يحكمه، فالنظام الفيدرالي يعتبر نظاماً دستورياً تتشكل فيه السلطة السياسية من دولة مركزية اتحادية تمثل الدول على المستوى الخارجي، ولها دستورها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة بها، أما فيما يخص الاتحاد الكونفدرالي فإنه مكونٌ من مجموعة من الدول المستقلة عن بعضها، بحيث يكون لكل دولة عَلَمُها وسلطاتها، ويتم في العادة توزيع السلطات بين الدولة المركزية والدويلات من خلال الدستور الكونفدرالي، فكيف سيصبح الحال في الاتحاد الخليجي حيث توجد دول خليجية ليس لديها دستور حتى الآن؟
إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعتبر شكلاً من أشكال الاتحاد الكونفدرالي، ويمكن أن يخطو خطوات كبيرة، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي، وذلك ما قام به الاتحاد الأوروبي، ولذلك لابد من العمل على إصدار العملة الخليجية الموحدة، وتطبيق السوق الخليجية المشتركة، وربط الدول بسكة حديد. هذا ما ينشده، ويتطلع إليه المواطنون الخليجيون في هذه الفترة، ولم تستطع الدول الخليجية تحقيقه بعد 30 عاماً من قيام مجلس التعاون.
صحيفة الوسط البحرينية – 29 مايو 2012م