رغم حضوره في الحياة السياسية والحزبية والاعلامية في مصر خلال العقود الماضية، منذ أن كان طالباً في جامعة القاهرة، اشتهر بمناظرته مع الرئيس الأسبق أنور السادات عند لقائه مع طلاب وأساتذة الجامعة، وبكونه أحد الوجوه البارزة في حركة «كفاية»، الا أن التوقعات التي سبقت انتخابات الرئاسة في مصر لم تحجز له موقعاً متقدماً في عدد الأصوات التي سينالها.
حمدين خيَّب ظن واضعي تلك التوقعات، وأوشك أن يكون واحد من الاثنين اللذين سيتنافسان في الدور الثاني من الانتخابات للتأهل لمنصب أول رئيس لجمهورية مصر في انتخابات نزيهة وتعددية، رغم أن حملته الانتخابية تعد من أفقر حملات المرشحين، فبالمقارنة لما توفر لمنافسيه الأقوياء من دعم مالي وامكانيات لوجستية، سواء تعلق الأمر بالمرشحين الاسلاميين وخاصة مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي، أو اولئك المحسوبين على النظام القديم، وخاصة أحمد شفيق، فانه لم تتوفر لحامدين أي امكانيات مادية يُعتد بها، كون الفريق الداعم له لا يضم أحداً من كبار رجال الأعمال، كما انه لا يتوفر على مناصرة من المحيط الاقليمي، كما هو الحال مع منافسيه.
فالمرشح الاخواني استند على النفوذ الشعبي الذي لا مراء فيه للجماعة، وامكانياتها المادية الضخمة، ومصادر التمويل الداخلية والخارجية الكثيرة، فيما استند أحمد شفيق على القاعدة الاجتماعية والسياسية للنظام السابق، وهي قاعدة لا يصح الاستهانة بها، فهي تضم فيما تضم نخبة رجال الأعمال الكبار، وكبار رجالات المؤسسة العسكرية التي تحكم مصر منذ عقود، وبرع شفيق في توظيف مخاوف وهواجس الأقباط وبعض الشرائح الليبرالية من أن يحكم الاسلاميون مصر، وهي مخاوف غذاها سلوك الاخوان في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير، وما أفصحوا عنه من ميل للاستفراد بمفاصل السلطة واقصاء القوى الأخرى.
رغم ذلك كان عدد الأصوات التي حصدها حامدين كبيراً، أخذا بعين الاعتبار أن نسبة من الأصوات الافتراضية له ذهبت للمرشحين الوطنيين الآخرين مثل هشام بسطاويسي وأبوالعز الحريري وخالد علي، وبنسبة من النسب الى عبدالمنعم ابوالفتوح الذي تأثرت بعض الشرائح الليبرالية بخطابه الاسلامي المعتدل، حيث حاول أن يميز به نفسه عن الاخوان الذي سبق له ان خرج من صفوفهم منذ عام، فيما عده البعض خطوة تكتيكية استباقية لخوض انتخابات الرئاسة
. أصوات حامدين صباحي هي أصوات الكتلة الثالثة في المجتمع المصري من وطنيين وتقدميين وليبراليين ونساء ومشاركين في صنع ثورة يناير، الذين يريدون القطع النهائي مع النظام السابق، ولكنهم، في الآن ذاته، لا يرون في الاخوان البديل الملائم لمصر، ويخشون أن يعودوا بها الى الوراء، بدل أن يدفعوا بها إلى الأمام، وقد برهنت هذه الكتلة الثالثة، حكماً مما حصده حامدين من أصوات، على اتساع قاعدتها الاجتماعية، وقدرتها على التأثير وعلى أن تكون ضمانة لمستقبل مصر، لكنها بالمقابل كشفت عن تشتتها وضعف تنظيم صفوفها.
والمحزن، أن هذه القاعدة المهمة نوعياً وعددياً قد أُخرجت فعليا من دائرة التأثير في صنع القرار خلال السنوات الأربع القادمة، بعد أن بات مؤكداً، فيما يبدو، أن المنافسة في الدور الثاني من الانتخابات ستنحصر بين مرسي وشفيق.