أسعار النفط لازالت محتفظة بزخمها الصعودي على الرغم من الانتعاش الهش للاقتصاد الامريكي وحالة انعدام الوزن التي تمر بها بلدان الاتحاد الاوروبي صاحبة الاقتصاد الأكبر حجما في العالم من ناحية اجمالي الناتج المحلي، والقلق الذي يساور الأسواق من احتمال حدوث هبوط ارتطامي (Hard landing) للاقتصاد الصيني.
ولذلك فان كثيرا من الزخم الصعودي لأسعار النفط يمكن أن يعزى الى الجوانب السياسية أكثر منه الى الأساسيات الاقتصادية (Economic Fundamentals)، والتي تجد تفسيرها في انخفاض امدادات النفط الى الأسواق من كل من ليبيا وايران وسوريا والسودان واليمن. وهو ما يعني ان الأسعار سوف تعود لتستقر ما ان تتم تسوية الأزمات السياسية في البلدان المذكورة.
واذا ما أضفنا الى ذلك الانتاج النفطي الجديد في كل من كندا والولايات المتحدة والنرويج وروسيا ودول أمريكا للاتينية، حيث حفزت الأسعار المرتفعة للنفط الكثير من الأنشطة الاستثمارية في أعالي البحار والزيت الرملي (Oil sands)، فيمكن القول ان هنالك ما يكفي من العوامل للاعتقاد بأن سوق النفط العالمية سوف تبقى تراوح بين الشد والجذب .. شد العوامل الكابحة للنمو العالمي (وهي عديدة) ونمو الطلب على النفط ترتيبا، وجذب العوامل الاخرى الموازية والمحفزة لهذا النمو.
على المدى القصير حصل النفط وبقية السلع المتداولة في البورصات العالمية على عامل مؤازر حين أعلن صنَّاع السياسية النقدية في مجلس الاحتياطي الفدرالي الامريكي بأنهم يتوقعون ارتفاع وتيرة نمو الاقتصاد الامريكي وانهم يمكن ان يتخذوا خطوات اضافية لحفز هذا النمو اذا تطلب الامر ذلك. فقد اعلن بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي تحديدا بـ”اننا لا نزال مستعدين تماما لاتخاذ خطوات اضافية اذا اقتضى الأمر”، موضحا بأن ذلك يشمل اطلاق جولة شراء جديدة للسندات بهدف خفض تكاليف الاقتراض. وبدورها اصدرت لجنة السياسة النقدية في البنك بيانا بعد يومين من تقييم أداء الاقتصاد الامريكي، انها تستبعد رفع أسعار الفائدة قبل نهاية 2014.
أما على المدى المتوسط فانه اذا ما تعززت الأجواء التي أشاعها المقترح الروسي المتعلق بحل أزمة البرنامج النووي الايراني والقاضي بتوقف ايران عن انتاج أجهزة الطرد المركزي (Centrifuges)، والعِدد والآلات المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، وحفظ تلك التي لم تستخدم بعد، فان ايران سوف تستعيد كامل طاقتها الانتاجية بعد أن تراجعت ووصلت في شهر مارس الماضي الى 3.39 مليون برميل يوميا هو الأخفض منذ يونيه 2002 وفقا لمجموعة بلومبيرغ، وهو ما يرجح معاودة سعر برميل النفط للمراوحة حول مائة دولار.
ومع ذلك هناك من يعتقد بأن العوامل السابقة ومنها تزايد أنشطة التنقيب عن النفط في القواطع البحرية على أعماق سحيقة، وبداية ازدهار صناعة استخراج النفط الرملي، والاكتشافات النفطية الجديدة، ستؤدي الى انهيار الأسعار في غضون السنوات القليلة المقبلة، بل ان هنالك من يزيد على ذلك باضافة الوضع الهش للنمو الاقتصادي العالمي ويتنبأ بأن الانهيار لن يكون بعيدا عن عام 2012 الجاري. فالنفط هو السلعة المتميزة بدورية سعرها في سوق البترول الدولية، حيث ان سعرها المرتفع يحفز على زيادة الامدادات وبدء ضعف الطلب، ليتبع ذلك فائض في المعروض وبدء انهيار السعر قبل ان يعود الطلب للنمو ثانيةً وارتفاع السعر من جديد. وكان العالم شاهدا على هذا السيناريو حوالي خمس مرات خلال السنوات الأربعين الأخيرة.
بكلمات أخرى فان من الصعوبة بمكان التنبؤ بمصير سعر النفط على المدى المتوسط ناهيك عن المدى البعيد.
22 مايو 2012