هناك تفاصيل يبدو غالبها ذا طابع إنساني حميم، وهي لا تقع في بؤرة الواقعة التاريخية، أي أن الحديث لا يدور عن الحروب أو الهزائم والنكبات ونيل الاستقلال وما هو في حكم ذلك من أحداث، وإنما يدور حول جوانب تبدو بسيطة لو نظر إليها من زاوية الحدث التاريخي الكبير، لكنها جديرة بأن تمنحنا فرصة للتعرف إلى المرحلة التاريخية التي تعود إليها، أكثر مما تمنحنا إياه رواية الوقائع التاريخية ذاتها.
هناك دارسون اهتموا بهذا النوع من التفاصيل الصغيرة، فجمعوا المادة المتصلة بها، ليكتبوا تاريخاً موازياً للتاريخ الذي نعرفه، أي أنهم لم يذهبوا للأحداث الجسام الفاصلة على نحو ما جرت العادة، وإنما ذهبوا ليوميات الأطباء والمدرسين وسواهم ممن أسهموا في فتح المدارس والمستشفيات من أجل أن يقدموا فكرة عن تفاصيل الحياة في الفترات التي بحثوها. وفي هذا تندرج اليوم الكتابات التي تندرج بتاريخ النساء مثلاً، أو بتاريخ الأقليات، أو الفئات المنسية أو المهمشة في المجتمعات، ولا شك أنه ينطوي على رسالة الاهتمام بهذه الحقول البحثية في التاريخ غير المطروقة كثيراً. ولو أخذنا على سبيل المثال الكتابات المهتمة بتاريخ النساء، لوجدنا أن الباحث المهتم بهذا الموضوع، من حيث أراد أم لم يرد، لن ينجو من غواية المقارنة بين ما كان عليه حال النساء في فترات تاريخية ماضية يشتغل عليها وبين حال النساء اليوم.
في الإجمال فإن الكتابة فعلٌ إنساني غير محصور في جنس مَن يكتب، رجلاً كان أو امرأة، وإنما يرتبط بقيمة الإبداع الفنية، لكن هذا لا ينفي الخصوصية المرتبطة بانعكاسات جنس الكاتب وآثار الاختلافات السيكولوجية والظروف الاجتماعية على عملية الكتابة.
في «غرفة تخصُ المرء وحده» تثير فرجينا وولف إشكالية لغة المرأة، أو بتعبير أدق علاقة المرأة باللغة متجسدة في مفهوم وولف حول ما تُسميه «الجملة النسائية». ومن وجهة نظرها هناك ارتباط بين الاختلاف الجنسي واللغة، لذا فإنها ترى أن الجمل المناسبة للرجال والنساء مختلفة.
«إذا كنا نساء فإننا نفكر عبر أمهاتنا، تقول وولف، ومن العبث أن نتوجه إلى الكتاب الرجال العظام للمساعدة، رغم أن بوسع المرء أن يتوجه لقراءتهم بغرض المتعة. إن الكاتبات يحتجن الكاتبات كأمثلة. فإذا أردن أن يكتبن كنساء فإنهن بحاجة إلى رؤية أن النساء قد كتبن، وليس أن الرجال كتبوا أو أن هناك ببساطة، كتابة».
ثمة من يرى أنه حتى لو اختلفت الثقافات فإن النساء لا يختلفن، النساء هن النساء، بصرف النظر عن السياق التاريخي الاجتماعي الذي تتطور فيه تجربتهن الإبداعية، فالتماثل أو حلقة الاتصال بين النساء طبقاً لهذا القول هي اشتراكهن في كونهن نساء، وهو وضع مشترك رغم اختلاف الثقافات. كما ان الأخوة النسائية العالمية، أو ما تصفه باحثة أجنبية «تحرر النساء على مستوى عالمي»، تعتمد على تصورٍ للمرأة تجاوزَ التاريخ. وما عسى جوهر المرأة أن يكون إن لم تُشكله تجربتها المتعلقة بطبيعتها كامرأة لها تاريخها المستقل في إطار التاريخ الإنساني العام.
16 مايو 2012