في العام 2005 نشر ماثيو سيمونس Mathew Simmons الخبير النفطي الأمريكي والتنفيذي السابق في عدد من مؤسسات الصناعة النفطية، نشر كتابه “شفق في الصحراء” (Twilight in the Desert) جادل فيه بأن الاحتياطيات النفطية في المملكة العربية السعودية تشارف على النضوب وأن حقل الغوار السعودي الذي يعتبر أكبر حقل نفطي في العالم بإنتاج يبلغ حوالي 5 مليون برميل يومياً قد تآكل مخزونه بصورة كبيرة. وهو رأي يصر ماثيو سيمونس على تسويقه عبر محاضراته حتى من قبل نشره للكتاب المذكور. ولا يخلو هذا الرأي من ملابسات جيوسياسية خاصة بفريق المحافظين الجدد ذوي النظرات المتطرفة لعلاقة الولايات المتحدة بمصادر الطاقة التقليدية (Conventional energy sources) في العالم.
ومنذ أربعة عقود خلت عرض خمسة من علماء معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا تنبؤاتهم بشأن استدامة التقدم البشري الذي تصنعه وتائر النمو الاقتصادي المتصاعدة. في تلك التنبؤات الفرضية التي ضمنها العلماء تقريرهم الذي حمل عنوان “حدود النمو” (Limits of Growth) ، أكد العلماء الخمسة بأن العالم يتجه إلى انهيار اقتصادي نتيجة لنضوب الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والنحاس التي تشكل عصب الأنشطة الإنتاجية العالمية. وقد تنبأ التقرير حينها بنضوب الذهب في عام 2001 والنفط في عام 2022 على أبعد نطاق زمني.
وعلى مـدى العقود الأربعة المذكورة بقـي خطر وصول النفط إلى ذروته “Peak Oil”، أي حين يبلغ الإنتاج النفطي العالمي حده الأقصى، يلازم العالم (تحت تأثير مثل تلك الفرضيات بطبيعة الحال)، حيث يبدأ حينها الانحدار التدريجي للاحتياطيات واستنزافها. ولم يكن نضوب النفط المحدد تاريخه سلفاً، الفرضية الوحيدة آنذاك حول الثروات الطبيعية التي تعتمد عليها الآلة الإنتاجية العالمية، وإنما النفط كان المرشح الأول من بينها، فقد شملت فرضيات النضوب خامات ومعادن أخرى تشمل الفوسفور واليورانيوم والنحاس وغيرها.
ومع ذلك فلقد مرت العقود الأربعة من دون تحقق “نبوءة” العلماء الخمسة أصحاب تقرير “حدود النمو”. وبدلاً من نضوب الموارد الطبيعية فإن الاحتياطيات العالمية من المعادن تتعزز ببعض الاكتشافات الجديدة، حتى أن تقنيات الحفر والتنقيب سوف تحسن وضع تبعية الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها لمصادر الطاقة التقليدية.
فيما يتعلق بالنفط على سبيل المثال، فلقد توقع فريق علماء “حدود النمو” في عام 1971 بأن النفط سوف ينضب بعد عشر سنوات، في حين أن ما حدث مغايرٌ تماماً لهذا التوقع، حيث سمحت الانجازات التكنولوجية بالوصول إلى مكامن جديدة وإلى زيادة الاحتياطيات النفطية العالمية. فخلال الفترة من عام 2007 حتى 2009 تمت إضافة 1.6 برميل للاحتياطيات مقابل كل برميل يتم استهلاكه. وبحسب مجلس الطاقة العالمي فإن الاحتياطيات العالمية من سوائل الغاز الطبيعي (Natural gas liquids) والنفط الخام، قد وصلـت في عام 2010 إلى 1.2 تريليون برميل، وهو ما يكفـي العالم لـ 38 سنة وفقاً لمعدلات الاستهلاك الجارية. وإذا ما أضفنا المتغير الجديد وهو غاز المكامن (Shale gas) باحتياطيات تصل إلى 4.8 تريليون برميل أي ما يعادل قرن ونصف من الايقاع الحالي للاستهلاك العالمي، وكذلك الزيت الرملي الكندي الذي تقدر طاقة خزينه بحوالي 6 تريليون برميل، فإن تنبؤات علماء معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا تكون قد أضحت جزءاً مذموماً من تاريخ الفكر الطقوي والاقتصادي العالمي عموماً.
وفيما يتعلق بالنحاس فقد كانت دراسة بريطانية قد تنبأت في ثلاثينيات القرن الماضي بأن العالم سيواجه شحة في إنتاج النحاس خلال قرن، في الوقت الذي قدر فيه مسح جيولوجي أمريكي الخزين العالمي المحتمل للنحاس بحوالي 3 مليار طن أو أكثر، أي ما يعادل الاستهلاك العالمي من النحاس لمدة 185 ألف سنة وفقاً لمعدل الاستهلاك الحالي. وهي تقديرات تزيد بمقدار الضعف عن التقديرات لإحدى عشرة سنة خلت. وبخلاف خزين اليابسة هناك الخزين البحري الذي لم يلمس بعد.
الفوسفات المادة الرئيسية في مدخلات إنتاج الأسمدة، يبدو هو الآخر في وضع مريح، ذلك أنه وبالرغم من الارتفاع في أسعاره في عام 2008، إلا أن احتياطياته العالمية ارتفعت من 11 مليون طن في عام 1995 إلى 65 مليون طن في عام 2010، أي ما يوازي 369 سنة من الإنتاج العالمي الحالي. وهكذا الحال بالنسبة للمعادن الأخرى. حيث تشير التقديرات إلى أن احتياطيات غاز الهليوم (عنصر غازي خفيف عديم اللون) سوف تكفي لـ 347 سنة، ومادة البيريليوم (مادة فلزية نادرة) 890 سنة، وعدة قرون لمادة الكروم (معدن فلزي)، وأكثر من ألف سنة لمادتي الليثيوم (عنصر فلزي فضي يميل لونه للبياض) والاسترنيتوم (عنصر فلزي)، وأكثر من ألف سنة لمادة الطلق (Talc) المعدنية المستخدمة في صناعة مساحيق التجميل.
إزاء ذلك تبدو التوقعات المتشائمة التي يطالعنا بها الإعلام العام والمتخصص، بين الفينة والأخرى، بشأن النضوب الوشيك للثروات الطبيعية، وكأنها مزحة غير جدية.
4 مايو 2012