لماذا يصر نواب كُثر على ان يفاجئونا مرة تلو المرة بما لم يكن في الحسبان؟ ويضعونا في حيرة تلو حيرة.. والاسوأ ان ينبري نواب بعينهم الى افعال تعظم هذه الحيرة وتضفي عليها علامات تعجب شتى، غير مكترثين بالهموم التي تؤرّق الناس في هذه الايام النكد!.
اصحاب السعادة النواب ظهروا وكأنه لم يعد يهمهم ان يشعر الناس حيالهم بالاسى والاسف، ليس فقط لأنهم مسّوا في اكثر من مرة مرتكزات المبدأ الجوهري الذي لا يجوز القفز فوقه وهو مبدأ الفصل بين السلطات، وليس لان اداء بعضهم يغلب عليه الطابع الكاريكاتوري وبعضهم الآخر مثير للحيرة، او لاننا لم نلمس لهم دوراً واضحاً لا يحتمل المراوغة ولا التمويه حيال هذا الذي جرى ويجري في البلد، وهم الذين يعدون انفسهم ممثلين للشعب وإن شأن الوطن من مسؤولياتهم، وليس لأنهم ظهروا وكأنهم لا يتقنون عناوين المرحلة ومتطلباتها ولا حتى قواعد اللعبة البرلمانية، وليس لاننا وجدناهم منشغلين ومشغولين عن ارساء حقيقة بأن الوطن فوق الجمعيات والاحزاب والتحزبات والكتل والتكتلات والمذهبيات والرغبات والاهواء، وبأن ثمة اخطاءً في خرائط واقعنا من واجبهم الاسهام في تداركها لعلهم يقنعوننا بأنهم حقاً نواب يمثلون الشعب بكل اطيافه ومكوناته..!!
فذلك كله في مجمله ودلالته وخلاصته أمر آخر وأي أمر، ولكن لأننا وجدناهم يشكلون حالة فريدة من نوعها في مجال الاداء البرلماني، ربما على مستوى برلمانات العالم كله..
تصوروا..! فقد سجل النواب ما قد يعد سبقاً وتميزاً يؤهلهم الحصول على وسام أو شهادة التميز أو الوكالة الحصرية في سوء الاداء، حينما وجدناهم في موقف لن يسقط من الذاكرة رافضين إجراء اية زيادة في صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية وكأنهم لا يجرؤون على ممارسة الدور البرلماني الذي يحسب له ألف حساب، ووحدهم ايضا عبر لجنتهم التشريعية رفضوا مشروع قانون لتشكيل هيئة وطنية لمكافحة الفساد بذريعة وجود اجهزة رسمية كافية تعنى بمكافحة انواع الفساد وأنه لا داعي لمزيد منها، وهم الذين يفترض ان يطالبوا بتسريع تأسيس تلك الهيئة الوطنية على الاقل احتراماً والتزاماً بما اقتضته الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها البحرين، لقد كان عليهم ان يطالبوا بإصرار بتلك الهيئة الاهلية وبل وبكل الآليات التي تدعم دورهم في محاربة الفساد، ونوابنا لم يكتفوا بذلك بل وجدناهم في موقف اخر يستحق التفكير والتأمل وعبر هيئة مكتبهم يسحبون الطلب بتشكيل لجنة تحقيق فيما اثير من مخالفات مالية وإدارية بمجلس النواب، ثم في موقف آخر لا يغيب عن الذاكرة حين وقع مجموعة النواب على ما عُرف بعريضة الامتيازات، مطالبين بحزمة من الامتيازات المالية ثم انكروا وجودها بعد الضجة التي اثيرت ضدهم، وفي موقف يبعث على الاسى يسقطون مشروع قانون تجريم التمييز والاخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين بسبب الاصل او اللون او الدين او المذهب او العقيدة او الرأي السياسي والذي يقضي بالالتزام بالمعاني والمقتضيات المبينة في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري للعام 1965، واتفاقية قمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها للعام 1973، والتي تجعل الظرف، مشدداً اذا كان الفاعل موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة.
لم تكن تلك الامثلة وحدها التي استدعت هذا الحديث من أوله، فثمّة أمثلة اخرى، وكلها منشورة وموثقة ولا تقل غرابة في مضمونها عما سبق، كاعتراض النواب وبالفم الملآن على التعديل المقترح لشروط الترشح لعضوية مجلس النواب، الذي ينص على حصول المرشح على مؤهل جامعي؛ لضمان ان يكون النائب من حملة المؤهلات وأصحاب علم ومعرفة لعل الممارسة النيابية والعمل البرلماني يظهر بمستوى افضل يضمن على الاقل ولو الحد الادنى من تفعيل النائب لدوره التشريعي والرقابي وحتى السياسي كما يجب وبالمستوى الذي يجب، والمفارقة ان نواباً كُثر اثاروا صخباً في اكثر من مناسبة وأثاروا الضجيج واستثاروا المشاعر حينما اعترضوا على تعيينات في وظائف حكومية بذريعة انها لم تراعِ المؤهل العلمي ولا مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب!، ولم يكفوا عن الالحاح على ذلك، غير ان الموقف يختلف تماماً عندما يمسّهم، فهم يعلمون سلفاً ان اقرار شرط المؤهل التعليمي غير مأمون وغير محتمل بمضي الوقت بالنسبة لبعضهم، وعليه فهم يستكثرون على من هو في موقع ممثل الشعب ان يكون بأرفع مستوى تعليمي ممكن، ولكنهم أبوا اخيراً إلا ان يفاجئونا باكتفائهم فيمن يترشح ليمثل الشعب بأن يجيد القراءة والكتابة..!!،
ونمضي الى مثال آخر وهذه المرة يتمثل في موقف النواب من وزير التربية عندما لم يستجب لطلباتهم وضغوطاتهم بعدم تنفيذ مشروع تمديد الدوام المدرسي أو تأجيله، والتي لم تكن منطقية ولا منصفة، وشكلت ابتزازاً غير مبرر، والأهم من ذلك انه تدخل مباشر في عمل السلطة التنفيذية وخرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وكان غريباً تلك الخطوة البرلمانية بتشكيل لجنة تحقيق في تمديد اليوم المدرسي، والاغرب تلك الطعنة الى المبادئ التي يفترض ان تقوم عليها مثل هذه اللجان والتي تمثلت في قيام بعض اعضائها باستباق النتائج قبل البدء في التحقيق. علاوة على كل ذلك ما زال حاضراً في الذهن ذلك التصريح لرئيس احدى الكتل النيابية وهو يطالب بزيادة المرتبات مائة في المائة، مضيفاً الى مطالبته تلك اسقاط جزء من ديون المواطنين ومكافأة من ليس عليه دين يعادل المبلغ المدفوع الى المديونين من المواطنين، في وقت غاب على النائب الفطين بان الميزانية العامة للدولة تعاني اكبر عجز في تاريخها.
أما المشهد الاخير في مسلسل الكوميديا البرلمانية فهو تلك الضجة التي افتعلها النواب مستهدفين وزيرة الثقافة، فما حدث في هذا الشأن ليس أمراً عادياً أو عابراً في المعنى والهدف والتوقيت، وما تلك الصورة من الانفلات المقيت والاهانات والمزايدات والاستهدافات التي تطايرت من تحت قبة البرلمان والتي لم يجد من يلجمها ما هي إلا موقفاً من الثقافة ومن ربيع الثقافة وفرض الوصاية على الناس، وكم كان مضحكاً ان يظهر نواب بعينهم، مهددين بتعليق جلسات مجلسهم حتى يتحقق مطلبهم باقالة الوزيرة، فيما ظهر آخرون مهددين بعرائض ومناشدات ناسين او متناسين انهم يمتلكون ادوات برلمانية في الرقابة والمساءلة والاستجواب وطرح الثقة. تلك عيّنة ليس إلا.. فالامثلة كثيرة، والوقائع التي لا اعتقد انها بعيدة عن الملاحظة، وتجد من يرصدها، لا حصر لها..
لنوابنا نقول: لماذا لا تستنسخون ما هو حاصل في البلدان الاخرى التي فيها النائب بحق نائباً ممثلاً عن شعب، وصوته تحت قبة البرلمان هو صوت الشعب وليس صوت فئة أو طائفة أو قبيلة أو منطقة أو «فريج».
يبقى أسوأ ما في الامر ان هؤلاء النواب يجهلون ان اداءهم بذلك التردي..!! وأن الواقع المفروض علينا .. هكذا نواب..!!