من أهم ركائز المجتمع الديمقراطي، وجود مجلس تشريعي منتخب يمثل جميع المكونات الشعبية تمثيلاً عادلاً، إلى جانب وجود مؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات عمالية وجمعيات أهلية ومهنية تدافع عن مصالح منتسبيها، وتعمل على رفع المستوى المهني والاقتصادي والاجتماعي لهم.
ويعتبر صوت مؤسسات المجتمع المدني في كثير من الأحيان صوتاً حاسماً لدى مثيلاتها في الدول المختلفة والمنظمات العالمية والحقوقية، خصوصاً حين تكون هذه المؤسسات تمثل منتسبيها تمثيلاً حقيقياً، بسبب أن هذه المؤسسات في مجموعها تمثل كافة شرائح المجتمع وانتماءاته الفكرية والسياسية والاجتماعية، ولذلك تسعى المنظمات العالمية لسماع صوت مؤسسات المجتمع المدني سواءً من خلال دعوتها للمؤتمرات الدولية أو حتى الالتقاء بالقائمين عليها قبل إصدار أي قرار أو حكم بخصوص احترام حقوق الإنسان أو حرية الرأي و التعبير في أي دولة من الدول.
ولذلك نرى الدول التي ليس لها رصيد كبير من المصداقية فيما يتصل بالحقوق السياسية والمدنية، تسعى للسيطرة على هذه المؤسسات أو خلق بديلٍ عنها يُموّل ويُدار بأيدٍ حكومية، وهو ما يعرف بمؤسسات «الغونغو» كممثلٍ زائفٍ للإرادة الشعبية.
مثل هذه المؤسسات يُصرف عليها الكثير من المال والجهد، ومع ذلك لا يمكن لها أن تقوم بالدور الذي يفترض منها القيام به، وسريعاً ما يتم كشفها ولا يتم التعامل معها بجديةٍ، وذلك ما حدث لدينا في البحرين، إذ لم تستطع أي من جمعيات «الغونغو» أن تلعب ولو دوراً بسيطاً في مجريات الأمور، أو أن تقنع المنظمات الدولية بوجهة نظرها.
ولذلك فإن الهدف في المرحلة الراهنة هو السيطرة على كافة الجمعيات الأهلية وخصوصاً الفاعلة منها، بحيث تكون هذه الجمعيات مهجّنةً، تسيطر عليها فئةٌ واحدةٌ وفكرٌ واحد، يصب في نهاية الأمر مع التوجه الحكومي، وليس مهماً بأي صورة يتم ذلك، سواءً باختراق القانون، أو بفرض الأمر الواقع أو حتى بتزوير إرادة أعضاء هذه الجمعيات.
ولهذا شهدنا في الآونة الأخيرة هجمةً شرسةً على عدد من الجمعيات، من خلال تصفيتها، كجمعية المعلمين البحرينية، أو حل مجالس إداراتها وتعيين مجالس إدارات تابعة، كما حدث سابقاً مع «جمعية التمريض البحرينية» و»جمعية المحامين»، أو حتى تزوير الانتخابات عن طريق تجاوز القانون والنظام الأساسي للجمعية كما حدث قبل أيام لـ «جمعية الأطباء البحرينية».
هناك الآن عددٌ من القضايا المرفوعة للقضاء من قبل الجمعيات الأهلية والمهنية ضد الممارسات غير القانونية من قبل وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، والتي تستخدم الأساليب المشروعة منها وغير المشروعة، بهدف تزوير انتخابات الجمعيات الأهلية لتغليب طرفٍ على آخر، وفرض مجلس إدارة يتوافق مع توجهاتها.
خلال الفترة البسيطة الماضية قامت وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية بتصفية جمعية المعلمين وحل مجلس إدارة جمعية التمريض وتعيين مجلس إدارة تابع لها، ولكن بعد مضي فترة الستة أشهر من تعيين مجلس الإدارة، وهي الفترة المسموح بها حسب القانون لتعيين مجلس إدارة لتصريف أعمال الجمعية، انتخب الممرضون مجلس إدارتهم الشرعي والذي كان أغلبيته من الأعضاء السابقين في مجلس الإدارة الذي تم حلّه من قبل الوزارة!
وقبل فترة بسيطة اعترضت الوزارة على انتخابات جمعية المحامين البحرينية وقامت بحل مجلس الإدارة المنتخب وعينت محلهم أعضاء جدد، ولكن في هذه المرة لم يقبل خمسة أعضاء من أصل سبعة أعضاء تم تعيينهم بهذا التعيين، ولذلك قامت الوزارة بتجميد أرصدة الجمعية لدى البنوك المحلية!
قبل أيام قامت الوزارة بتعدي النظام الأساسي لجمعية الأطباء البحرينية والسماح للأطباء غير البحرينيين بالترشح والانتخاب بهدف تغليب فئةٍ من الأطباء على أخرى، بالرغم من أن الوزارة لا يحق لها تغيير النظام الأساسي لأية جمعية كانت، وهي ليست معنيةً بذلك، ولا مخوّلة أصلاً بذلك، ولا يوجد أي قانون يتيح لها القيام بمثل هذا الإجراء، وإنما كان قيامها بهذا الأمر عن طريق فرض الأمر الواقع على الأطباء، ليس بقوة القانون، وإنما بقوة كونها وزارة معنية بشئون الجمعيات الأهلية، وقوة من يستطيع كسر القانون دون مساءلة.
صحيفة الوسط البحرينية – 17 أبريل 2012م