عندما نقرأ تاريخ المنطقة العربية، نجد أنها مكتظة بكثير من الأحداث التي تعيد الكرة ذاتها، خصوصاً عندما يأتي ذكر مطالب المجتمعات المسلوبة إرادتها. ومثل هذه الأحداث تعكس مجموعةً من تراكمات وصراعات تاريخية تنعكس على واقع الشارع العربي الذي يعيش أوجهاً متعددةً لصراعات متكررة، لكنها قد تأخذ طابعاً ولوناً يتناغم مع طبيعة العصر الذي نعيش فيه، بل وشاهداً على دخول مرحلة تاريخية. كما نشهد حالياً «الصحوة العربية» نحو تحقيق الديمقراطية، والتي انطلقت عبر ربيع من الانتفاضات والثورات بدأت في تونس منذ مطلع العام 2011.
هذه الصحوة العربية الديمقراطية دخلت عامها الثاني، كان عامها الأول قد أطلق عليه «الربيع العربي». رغم أن هناك دولاً نجحت وأخرى أخفقت، ولكن هذا لا يعني بالضرورة نهاية ما يحصل في المجتمعات العربية، وإنما هي مسيرة بدأت لتصحيح أوضاع تاريخية لن تستقيم بها الحال إلا عندما تصل المجتمعات إلى مبتغاها، وهو العيش بكرامة.
وبالاطلاع على صفحات التاريخ العربي والإسلامي فإنه بلاشك يعج بكثير من قصص الدم والاستعباد والغالب والمغلوب وأنواع الحكم المشوّه الذي لا يحتاج إلى دعاية من المعارضات السياسية في أي زمن لتشويهه، لأنه أساساً مشوّهٌ لكونه قائماً على القهر السياسي. من هنا نرى أن التراكمات التاريخية في أي حراك سياسي داخل المجتمعات العربية قد يلعب دوراً في حركات تطالب بما كان ممنوعاً ضمن ممارسات ممنهجة، أو ضمن قوانين تسلب حقوق الفرد لمجرد الاختلاف في الرأي أو العرق أو الدين أو المذهب أو الجنس.
بعض التراكمات التاريخية تلعب دوراً في تفريق المجتمع ضمن أطر وقوانين تسلب المجتمع إرادته، ولكن مصير ذلك في النهاية مرتبطٌ بمدى قدرة بلداننا على حل المشكلات بشكل جذري، والتنازل لبعضها البعض ضمن توافقات تاريخية. ولكن إذا كان هذا المدخل التصحيحي غير وارد في أذهان من بيدهم القرار، فإن حركة التاريخ لها كلمتها المرتبطة بمستقبل الحريات، والديمقراطية وحقوق الإنسان العربي من الخليج إلى المحيط.
إن القوة التي تستمد منها الأنظمة في المنطقة العربية قائمة على الاستحواذ على الإمكانات، ومن ثم تفريق المجتمعات وإنهاكها، ويبدو أن هذا الخيار يبقى مفضلاً لدى البعض مقابل ما ينادي به مناصرو حقوق الإنسان لتصحيح الأمور، وهذا الإصرار على عدم تصحيح الأوضاع يجر إلى منزلقات وصراعات داخلية الشعوب في غنى عنها. وحالياً تقاس فاعلية الأنظمة على المؤشرات الإنسانية بمدى قدرتها على الاستجابة لمطالب شعوبها، وليس بمدى قدرتها على قمعها أو تفريقها وضربها ببعضها البعض.
إن عدوى الصراعات لن تكون بمنأى عن أيٍّ من دول المنطقة، لاسيما وأن غياب الحلول الجذرية للمشكلات الداخلية لا يمكن أن يؤدي إلى استمرار بعيد المدى في ظل غياب المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب هذه المتغيرات.
وفي دراسة عن مدى «تأثير الصراعات الداخلية في العالم العربي… رؤية مستقبلية» كتبها عدنان الهياجنة ونشرت في الجزيرة.نت بتاريخ 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2004 قال «مستقبل الصراع الداخلي في العالم العربي يبشر بمزيد من الصراع، إذا ما بقي التعامل مع قضية الديمقراطية والمشاركة السياسية في العالم العربي يأتي من فوق، لأهداف سياسية آنية بعيدة كل البعد عن تجذير المجتمع المدني في تلك الدول».
وأضاف الهياجنة «إن معظم الصراعات العربية الداخلية عادةً ما تكون الحكومة طرفاً أساسياً فيها، لذا فهناك غياب لصراعات بينية بين جماعات مختلفة داخل الدول العربية. وبناء عليه فإن الحكومات العربية تتحمل مسئولية كبرى في حل هذه الصراعات».
البعض يلجأ إلى استخدام مصطلح «الديمقراطية» من دون محتوى، كأداةٍ أو كلمةٍ مطاطة لتجميل الواقع غير الصحيح، وهذا يجر البلدان إلى دوامة مستمرة من الصراعات بين من يطالب بالديمقراطية وبين من يتمسك بالدكتاتورية، وهو مشهدٌ تكرر في أكثر من بلد عربي على مدى السنوات الماضية مما مهّد لإطلاق أولى شرارات الصحوة العربية التي بادر بها الشباب العربي منذ العام 2011، وذلك بسبب استخفاف الأنظمة بمطالب وحقوق المواطن العربي والتلاعب بديمقراطيةٍ لا يريدون لها أثراً فعلياً في حياة المجتمعات العربية.
صحيفة الوسط البحرينية – 15 أبريل 2012م