المنشور

هل تتم استعادة الصومال؟


مجلس الأمن الدولي يقرر في الثاني والعشرين من فبراير زيادة عدد قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي في الصومال بنحو النصف (من 12 الفا الى 17731 جنديا وشرطيا). وقد اتُخذ هذا القرار قبل 24 ساعة من استضافة لندن لمؤتمر دولي حول الصومال استهدف العمل على المواءمة بين تقديم الدعم والمساعدات للحكومة الصومالية وبين الضغط عليها للقضاء على الفساد والقرصنة والتهديد الارهابي.
 
الولايات المتحدة التي أعلنت في نفس الوقت تقريبا تخصيص مساعدة اضافية للصومال قدرها 64 مليون دولار، حرصت على توجيه رسالة تحذيرية شديدة اللهجة على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون الى الطرف/الأطراف في الحكومة الائتلافية الصومالية التي ستعرقل عملية التطبيع السياسية، داعيةً المجموعة الدولية، في حال حدوث ذلك، الى فرض عقوبات على الذين سيعرقلون العملية الانتقالية للابقاء على الوضع القائم.
 
فرنسا هي الأخرى اعتبرت على لسان وزير خارجيتها ألان جوبيه أن اجتماع لندن “يجب أن يعطي دفعا جديدا لاعادة تشكيل الدولة الصومالية”. ولم يتأخر أمين عام الامم المتحدة بان كي مون، الذي يحرص هذه الأيام حرصا متزايدا على اظهار تناغمه، فعلا وتصريحا، مع ما يفعله ويصرح به كبار مسئولي الادارة الامريكية – لم يتأخر عن الادلاء بدلوه في ذات الاتجاه، ليوفر الغطاء الدولي اللازم للتوجهات الامريكية والأطلسية الجديدة. ففي اجتماع لندن سالف الذكر، بدا أمين عام الأمم المتحدة “سخيا” في اغداق الاطراء على “المجتمع الدولي” (ويقصد الولايات المتحدة التي تصر على أن يقترن لفظ المجتمع الدولي بها)، حيث أكد بأن “المجتمع الدولي فتح فضاءً للحرية والاستقرار في الصومال، وهو فضاء صغير لكنه يمثل فرصة لا يمكننا تتفويتها، فرصة لمساعدة الشعب الصومالي”.
 
الجامعة العربية بدورها لم تشأ، في عهدها الجديد، أن تتأخر عن ركب اجتماع لندن، حيث مهدت لتلك المشاركة باجتماع عُقد في التاسع عشر من فبراير الماضي على مستوى المندوبين الدائمين وبحضور الامين العام للجامعة نبيل العربي، تمت خلاله مناقشة “احتياجات الشعب الصومالي وبلورة الموقف العربي الذي عُرض في اجتماع لندن”.
 
الى ذلك كشفت صحيفة “الصن” البريطانية التي يملكها الملياردير اليهودي روبرت مردوخ المعروف بصلاته العليا، في عددها ليوم الثالث والعشرين من فبراير “ان المستشار القانوني للحكومة البريطانية أعطى الضوء الأخضر لقوات المغاوير لشن غارات على قواعد القراصنة في الصومال. وقالت الصحيفة ان النائب العام البريطاني دومينيك غرين اعتبر ان شن هجمات على قواعد القراصنة الصوماليين من حاملة الطائرات “أوشين” وبدعم من مروحيات أباتشي الهجومية سيكون اجراءً مشروعا بموجب القانون الدولي. ولا يقتصر الأمر على بريطانيا، بل ان هذا الأمر يجري تنسيقه على مستوى الاتحاد الاوروبي الذي سوف يزيد من استخدام آلته العسكرية في اعقاب الدور القيادي الذي أدته الدول الرئيسية فيه في الحرب التي شنها حلف شمال الأطلسي ضد ليبيا لاطاحة نظام معمر القذافي.
 
وقبل ذلك كانت القوات الموالية للحكومة الصومالية المدعومة من الجيش الأثيوبي تستعيد السيطرة على مدينة بيداوه، أهم مدن جنوب غرب الصومال، بعد أن فر منها مقاتلو حركة الشباب المتفرعة من تنظيم القاعدة الارهابي. وكانت كينيا المجاورة أيضا قد أعلنت الحرب عمليا على ميليشيا حركة الشباب وانضم قسم من قواتها بصورة رسمية لقوة الاتحاد الافريقي وبدأ طيرانها الحربي المشاركة في عمليات قصف مواقع مقاتلي حركة الشباب.
 
والوقع أن كثيرا من الفضل فيما تحقق على الأرض في الصومال حتى الآن والمتمثل في استمرار سيطرة الحكومة الصومالية الائتلافية على العاصمة مقديشو وتعزيز وجودها وثباتها في مواقعها في العاصمة وما جاورها، والانطلاق لتوسيع نطاق دائرة نفوذها ومد سلطتها الى بقية المناطق الصومالية التي كانت تحت سيطرة ميليشيا حركة الشباب الصومالية الارهابية، يعود الى قوة الاتحاد الافريقي التي أمّنت المواقع الحساسة في العاصمة والمؤسسات والمرافق الرئيسية ضد هجمات ميليشيا الشباب.
 
السؤال الآن: هل من رابط بين كل هذا الاهتمام المتزايد بالصومال والمقرون بأفعال ملموسة على الأرض؟…وهل يعني هذا التحول في الاهتمام، خصوصا من جانب الثنائي السايسي والعسكري التنسيقي التقليدي: الولايات المتحدة وبريطانيا، من درجة الاهمال التام للصومال وتركها عبرةً كنموذج فاقع للدولة الفاشلة (Failed state)، الى كل هذا الاهتمام المفاجىء الذي أوردنا بعض الأمثلة الدالة عليه؟
 
الراجح انه يوجد رابط ما بين كل تلك “الالتفاتات” الملموسة حتى وان لم تأخذ حظها بعد في أجهزة الميديا على النحو الذي يؤكد مثل هذا الترابط، وقد يكون تزامن حدوثها أحد الشواهد الدالة على وجود مثل هذه الرابطة، فمن غير المعقول ان تجري كل تلك الحوادث وتُعلن كل تلك المواقف في وقت واحد وبمحض الصدفة!
 
واذا لم يكن هذا التحول كليا وجذريا وحاسما، فهو بالتأكيد تحول واضح له بعض شواهده حتى وان كان جزئيا وذو استهدافات محددة سرعان ما سيتراجع ويخبو حال تحققها. أما الملاحظة الاخرى الجديرة بالاهتمام هنا، فهي ان “قائد الاوركسترا” في هذه الاحداث المتداعية المعبرة عن التحول المفاجىء في الموقف الدولي من الصومال، ليس الولايات المتحدة الامريكية كما عودتنا دائما، من حيث تصدرها وقيادتها لمثل هذه “العمليات” ترافقها حليفاتها الاوروبيات ومن حلفها بعض الشركاء الاقليميين، وانما حليفتها الأخلص في أوروبا: بريطانيا ومن خلفها بقية الدول الحليفة والصديقة، تماما كما حدث في الملفات الاخيرة الساخنة مثل الملف الليبي، حيث اكتفت الولايات المتحدة بدور “اللاعب الرديف”، تاركة الجزء الأكبر من العملية لحلفائها. ولكأنها اختارت اتباع ما كانت تتبعه بريطانيا في القرن التاسع عشر في القارة الاوروبية من سياسة سميت آنذاك سياسة “الانعزال البديع” تاركةً القيادة للقوى الاخرى المنافسة آنذاك مثل بروسيا وروسيا.
 
ولكن ما سبب هذا الاهتمام المفاجىء بالصومال والذي تتقاسمه بريطانيا وبمعيتها على مسافة غير بعيدة الولايات المتحدة؟… لا أحد بطبيعة الحال يستطيع الجزم بالهدف أو الاهداف الكامنة وراء هذا الاهتمام الزائد والمفاجىء بالصومال. فقد تكون ضغوطات لوبيات مصالح قطاعات المال والأعمال، بما في ذلك القطاع المالي وقطاع النقل والشحن البحري، المتضرر من أعمال القرصنة البحرية التي تنفذها عصابات صومالية ذات امتدادات اقليمية ودولية، وراء هذا التحرك. وهذا ما يستشفه المرء من تشديد ألان جوبيه وزير خارجية فرنسا في اجتماع لندن على انه “يجب ان نضع حدا نهائيا للافلات المعيب للقراصنة من العقاب”.. اضافة الى الاجازة القانونية التي طلبتها قوات المغاوير في الجيش البريطاني من المستشار القانوني للحكومة لشن غارات على قواعد القراصنة داخل الصومال.
 
وقد يكون الأمر مرتبطا بترتيبات جيوسياسية اقليمية، تتصل بمناطق في شرق افريقيا (يمكن ان تكون الاكتشافات الغازية الواعدة مؤخرا في تنزانيا واحتياطيات المكامن في القواطع البحرية للدول الشاطئية في تلك المنطقة وفي جوارها الجنوب غرب آسيوي)، بحيث يكون القرن الافريقي وتحديدا جيبوتي (المؤمنة فرنسيا وامريكيا في الوقت الحالي) والصومال، منطلقا لوضع تلك الترتيبات موضع التنفيذ، أخذا بعين الاعتبار ما يمكن ان تسفر عنه التطورات غير المستقرة بعد في اليمن من نتائج غير محسوبة خصوصا بالنسبة لممر باب المندب المائي.
 
بالمقابل فان تساؤلا آخر موازيا يطرح نفسه قبالة تلك الاحتمالات، المقروء منها وغير المقروء، وهو هل سيكون الطريق لاستعادة الصومال سالكا وفي متناول اليد؟