رغم وجود ما يمكن أن ندعوه بالخصوصية المحلية في ما يحيط بالثقافة في هذه المجموعة من الأقطار العربية المنضوية تحت إطار مجلس التعاون الخليجي، من ظروف مساعدة أو معاكسة، لكن تبقى المرجعيات التاريخية والمنهجيات الفكرية والتعبيرات والرموز شبه واحدة، إن لم تكن مماثلة إذا ما قيس الأمر بالإطار الجامع للثقافة العربية.
وحين نتحدث عن الثقافة في منطقة الخليج، إنما نتحدث عن ثقافة عربية، شأنها في ذلك شأن الثقافة في أية منطقة عربية أخرى، فهموم الثقافة والمثقفين في الخليج هي من صميم الثقافة والمثقفين عبر الوطن العربي كله، بل أن منطقة الخليج هي أكثر مناطق الوطن العربي تأثرا وتفاعلا مع مكونات وتعبيرات الثقافة العربية العامة، بل ومع كثير من تفرعاتها خاصة، وهذا ما تشهد عليه مصادر تكون الرعيل الأول من المثقفين والأدباء في مختلف بلدان المنطقة.
لهذا القول علاقة بجدل يطل برأسه بين حين وآخر، وتتردد أصداؤه هنا وهناك عن مفهوم مستقل للثقافة في منطقة الخليج يرمي إلى عزلها عن سياقها العربي، ويتكئ أصحاب هذا الرأي على ما شهدته بلدان المنطقة من تحولات ونهضة في العقود القليلة الماضية في حقول عدة، وتشكل نخبة من المتعلمين والمثقفين الذين تدخل الثقافة الغربية في خلفية تكوينهم الثقافي لأنهم، أو شرائح منهم، تلقوا تعليمهم في جامعات غربية، وأتيح لهم، بهذه الصورة أو تلك، الاطلاع على ثقافة الغرب من مصادرها من دون المرور بالقنوات والمنابر الثقافية العربية التي استقت منهم أجيال سابقة من متعلمي ومثقفي المنطقة معارفها عبر الترجمة والنقل وأشكال المثاقفة الأخرى.
هذا النزوع تجلى كمظهر من مظاهر التأكيد المبالغ فيه في بعض الإعلام الخليجي على ما يدعى بالهوية الخليجية في مقابل الهوية العربية، وهو نزوع انتعش في فترة من الفترات تحت تأثير بعض التطورات السياسية للدرجة التي راجت فيها بعض الأغاني التافهة التي تتغنى باللهجة الخليجية بوصفها علامة فارقة لمواطن هذا الإقليم، كأنه ليست للأقاليم العربية الأخرى في المشرق والمغرب لهجات تميزها، دون أن يكون ذلك موضوعاً للمباهاة، فمثقفو ومفكرو تلك البلدان على تمكن بليغ من اللغة العربية الفصحى الآتية أساساً من جزيرة العرب، وحملها الإسلام إلى أسلافهم لحظة الفتوحات الكبرى. ويجد مثل هذا النزوع تعبيراً آخر له في إبراز الثقافة التقليدية الشفاهية لأبناء هذه المنطقة، لا بوصفها مظهرا من مظاهر التعبير الرمزي والوجداني الذي يجد عمقه أو جذوره في الانتماء العربي الإسلامي، إنما لتقديمها كمقابل للثقافة الجديدة للأجيال الشابة التي هي نتاج الانفتاح على التيارات الفكرية والثقافية الحديثة التي جاءتنا من البلدان العربية الأخرى التي قطعت شوطا أبعد في الفعالية الثقافية والفكرية بسبب تمايز شروط تطورها التاريخي اجتماعيا وسياسيا.
كان الدكتور عبدالله الغذامي، الناقد والباحث السعودي المعروف، قد تحدث منذ سنوات في أحد أبحاثه عن أن الخليج، وإن كان واقعاً جغرافياً – سياسيا محدداً، إلا انه ليس واقعاً ثقافياً منعزلاً أو قابلاً للانعزال، مثلما انه ليس حقبة تاريخية منعزلة أو قابلة للانعزال، لأن الحد السياسي لا يقابله حد ثقافي.