الحريات في أي مجتمع ينشد أن يكون ديمقراطياً لا تتجزأ. وحرية التعبير هي حاكم من حواكم هذه الحرية، مثلما نطالب بالحريات السياسية، نطالب ونذود عن حرية الثقافة، بل أن في الانتصار لحرية هذه الأخيرة انتصار لأكثر القيم الإنسانية عمقاً ورحابة، ذلك أن ما في البحرين من حركة ثقافية وفنية هي نتاج تطور مجتمعي صحي وطبيعي، لم تفرضه الدولة، وإنما حققه المجتمع في مسعاه المديد للتطور والحداثة، ولم تكن علاقة الدولة بالثقافة ومؤسساتها على ما يرام في العديد من الحالات، حسبنا هنا أن نتذكر ما طبع علاقة الجهات الرسمية بأسرة الأدباء والكتاب في مراحل مختلفة من شد وجذب، وحسبنا هنا أن نتذكر ما تعرضت له أسماء لامعة في دنيانا الثقافية من معاناة وإقصاء.
إن الثقافة هي فضاؤنا الحر ويجب أن تبقى كذلك، وعلينا أن ننتصر للثقافة في مطلق الحالات، سواء أتاها العسف من أجهزة حكومية أو من كتل نيابية أو من هيئات سياسية.ولا نقول ننتصر لها ظالمة أو مظلومة، فالثقافة لا يمكن أن تكون ظالمة أبداً، لأنها تربي في الأذهان والنفوس التهذيب ورقي الإحساس والذائقة وتنمي لديهم الوعي والمعرفة، وهي الضمير الحي للناس، وبوصلتهم نحو الفطرة السوية.
من هذه الزاوية بالذات نقف ضد ما تتعرض له الثقافة من هجوم متجدد، وجدنا بعض تجلياته في الاعتصام الذي سعى أصحابه لإفشال حفل موسيقي راقٍ في مركز الشيخ إبراهيم الخليفة في المحرق، وفي التعرض لمهرجان ربيع الثقافة من قبل بعض النواب الذين أحالوا جلسة المجلس الأخيرة إلى سيرك من الزعيق، حين اعتقد هؤلاء أن انفرادهم بوزيرة الثقافة في تلك الجلسة بمثابة النصر المبين لهم، ولكنهم للأسف ظهروا بمظهر يدعو للشفقة في أعين قطاعات واسعة في المجتمع تعتبر الدفاع عن حرية الثقافة والإبداع في هذا المجتمع قضية عامة لا يصح التساهل إزائها، كما هو شأن الدفاع عن أي قضية من قضايا الحرية التي نريد لها أن تنتصر.
كما ذكرنا في مقال سابق فان مبعث السخرية الرئيسي أن أعضاء المجلس النيابي الذين لم يقوموا حتى اللحظة بأي جهد في سبيل رأب الصدع الذي أصاب الوحدة الوطنية، بل كان بعضهم في الكثير من الحالات شركاء في تأجيج الوضع واحتقانه من خلال مداخلاتهم في جلسات المجلس أو على شاشة التلفزيون أو في وسائل الإعلام المقروءة، ولم يقوموا بأي جهد يذكر في محاربة الفساد، ولا في تطوير البنية التشريعية، وإنجاز ما هو مطروح أمامهم من تعديلات على القوانين والتشريعات، يشغلون وقت المجلس ووقت المجتمع في معارك دونيكشوتية يصارعون فيها طواحين الهواء، لإخفاء مظاهر العجز الكثيرة في أدائهم.
ننتصر للثقافة ليس فقط لأن لدى المجتمع قضايا مهمة أخرى يجب أن ينصرف إليها وإلى حلها، وإنما لأن حرية الثقافة والتعبير قضية جوهرية، ففي أساس هذا الهجوم على الثقافة يقع مشروع شمولي، يضيق ذرعاً بما في المجتمع من تعددية في الوعي والسلوك، ويريد أن يملي على المجتمع نموذجاً واحداً للعيش من طراز ذاك الذي يبشر به وجدي غنيم وصُحبه.
5 ابريل 2012