بعد المنعطف السياسي الذي مرت به معظم الدول العربية ،حيث إستطاعت الشعوب في مصر وتونس وليبيا تغيير النظام السياسي وإحداث تغيير نسبي في مؤسسات الدولة، بينما الشعب اليمني عبر تدخلات خليجية وإرادة شعب محلية أستطاع إزالة رأس الدولة علي صالح وتولي نائبه الرئاسة المؤقتة حتى مرحلة الإنتخابات بالرقم أن اليمنيون يؤكدون بأن ثورتهم السلمية التي استمرت سنة من إندلاعها لم تحقق أهدافها بينما طموحهم إسقاط جميع رموز نظام علي صالح في المؤسسات وداخل الجيش ، كما شملت الإصلاحات الدستورية في الجزائر والمغرب والاردن ونأمل أن تكون مملكتنا البحرين ضمن مسار التعديلات الدستورية .
ونتيجة لرياح التغيير حصدت بعض القوى السياسية في هذه الدول على نصيب الأسد نتيجة لعمل دؤوب قامت به في أوساط الجماهير عبر الوسائل الإجتماعية والخيرية مما حصدت ثمرة جهودها والحق يقال وبغض النظر عن إختلافنا أو إتفاقنا مع توجهاتهم السياسية .
وعندما تتحول أي قوة سياسية كانت في يوم من الايام في صفوف المعارضة والآن تمثل السلطة فحتما ستخضع هذه القوى لتحديات وإختبارات وبروتوكولات وقوانين دولية و محلية بالأمس كانت ضدها واليوم هي ملزمة بمراعاتها ولذلك نقول لا توجد في السياسة مبادئ وإنما توجد مصالح فالمصلحة لهذه القــوى عندما تكون في المعارضة تختلف تماما عن المصلحة عندما تكون في السلطة ، بينما الجماهير لا تعرف هذه المجاملات وإنما تريد موقف سياسي من هذه القضية وتلك ولهذا ستواجه القوى السياسية المتربعة على قمة النظام السياسي تحديات كثيرة في الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
علىصعيد جمهورية مصر العربية:
أولا: ففوز حركة إخوان المسلمين في السلطة يتطلب الدعم المصري للفلسطينيين في غـــزة وفتح بوابة رفح وتسهيل مرور الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر فهل سيتجاوب الإخوان مع من أقرب الناس إليهم فكرا وهي حركة حماس ,أم سيخضعون إلى مجاملات بعض الدول التي تراعي مصلحة إسرائيل في الأول والأخير لحساب الموقف المبدئي للإخوان .
ثانيا: أسعار الغاز الذي يضخ إلى إسرائيل بأسعار زهيدة ,هل سيستمر هذا العطاء والبذخ الذي كان حسني مبارك يتكرم به على حساب إيرادات جمهورية مصر وإنعكاسه على مستوى معيشة الشعب أم ستكون العلاقة مع إسرائيل هي الأساس .
ثالثا : السياحة في مصر حيث يشغل ما يقارب أكثر من مليون عامل وموظف في هذا القطاع الحيوي حيث يتدفق السياح من جميع أنحاء العالم وتوفر السياحة ومنتجاتها جزء كبير من دخل الجمهورية ، هل سيضع الإخوان قوانين جديدة تضع قيود على السياح سواء من الداخل أو القادمين من الخارج وهذه حقيقة معضلة أخرى أو تحدي يواجه السلطة الجديدة في مصر .
رابعا: حل مشكلة البطالة وهجرة الأدمغة المصرية التي تتزايد قبل الثورة وبعدها ومعدل البطالة وإرتفاعها بشكل مستمر والخريجين يتزايدون بأعداد كبيرة من الصعب السوق المحلي إستيعابهم فهل سيأتي الإخوان بإستراتيجية تنموية جديدة تضع في مقدماتها حل مشكلة البطالة .
خامسا: مشكلة الديمقراطية والإيمان بالرأي الآخر:
يردد المثقفون الليبراليون بأن تيارالإسلام السياسي عندما يكون في المعارضة يتبنى الديمقراطية ويؤمن بها ويلتزم ببعض قوانينها وبنودها وعندما يصل إلى السلطة يحتكرها وينفرد بها ويتخلى عن الديمقراطية ، أعتقد أن هذا أكبر التحديات التي ستواجه الإخوان في مجتمع مصري منفتح متعدد الطوائف والأديان حيث يوجد المسيحيين واليهود والمسلمين بتعدد مذاهبهم فهل قادرين لخلق تعايش سلمي ما بين فئات المجتمع بعيدة عن الفتن والتناحرات والذي كان آخرها الهجوم على كنيسة الأقباط ، علما بأن الشعارات التي صرح بها راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس يريد تغيير النظام السياسي من نظام ابتلع السلطة في شخص واحد وهو الرئيس إلى نظام يدع السلطة للشعب .
ولا تختلف هذه التحديات في مصر عن غيرها من الدول العربية التي شملها التغيير حيث تتشابه جميعها في الظروف السياسية مع بعض الإختلاف من بلد إلى بلد ,فمثلا في ليبيا تتنافس القبائل على السيطرة على الريف في الجنوب الشرقي من البلاد كما تتجدد الإشتباكات في مدينة الكفرة من قبل مليشيات وجماعات قبلية ضد المجلس الإنتقالي ، كما يواجه اليمنيون نفوذ علي صالح وأتباعه في مؤسسات الدولة والجيش
فهل تستمر التغيير من غير تطهير المؤسسات والجيش من نفوذ علي صالح وأتباعه وهل الجنوبيون سيكفون عن المطالبة بالإنفصال عن الشمال أم ستظل عقبة أخرى تواجه التغيير وكيف يتم إستقطاب كل التيارات بما فيهم الحوثيين في برنامج موحد يتعايشون فيه ، وأخيرا سيظل هذا الحراك كمقدمة لحراكات أخرى ليس بالضرورة في الوقت القريب وإنما في المدى المتوسط وستطرق رياح التغيير كل الأبواب ولن تستثني أحـــدا .