في الحقيقة لا يوجد مثال أوضح يحمل دلالات لا تخطئها العين تلخص الوضع الحالي في البحرين، مثل ما حدث في جلسة النواب يوم الثلثاء الماضي، فالجلسة لخّصت مواقف عدد من القوى اللاعبة في الساحة السياسية وبينت مصالحها وأفكارها ومبادئها بكل دقة.
ربما يمكن أن تكون جلسة الثلثاء الماضي أهم جلسةٍ يمكن من خلالها استخلاص نوعية وماهية نواب المجلس ومعرفة نفسياتهم ومواقفهم، والمفترض فيهم تمثيل الشعب البحريني بكامل أطيافه، فخلال هذه الجلسة تم طرح ثلاث قضايا مهمة هي التعديلات الدستورية، وقضية «الطفل عمر»، وقضية «طفل السنابس».
فيما يخص التعديلات الدستورية، لن أعلّق عليها ويكفي ما قاله النواب أنفسهم عن مواقف بعضهم البعض، فرئيس المجلس خليفة الظهراني أشار بوضوحٍ إلى وجود ضغوطات خارجية على النواب لتأجيل مناقشة التعديلات الدستورية. فيما رأى نائب آخر أن مجلس النواب البحريني هو المجلس الوحيد في العالم الذي يرفض أن تكون له صلاحيات أكبر! وهناك معلوماتٌ مؤكدةٌ تقول ان هذه التعديلات لن ترى النور في ظلّ وضع المجلس الحالي، وان هناك قراراً بحفظ هذه التعديلات في الأدراج حتى إشعار آخر.
ما يثير الاستغراب حقاً هو موقف النواب من قضيتي الطفلين واللتين كانتا حتى ذلك الوقت في طور التحقيق، الأولى هي قضية «طفل السنابس» الذي وجد مقيداً وشبه عارٍ في أحد الكراجات في منطقة السنابس، وقد وجدت عليه آثار الضرب والتعذيب بآلات حادة.
الطفل قال ان ثلاثةً من رجال الأمن اعتدوا عليه وهدّدوه بالاغتصاب إن لم يتعاون معهم ويقوم بالإبلاغ عن من يخرجون في المسيرات.
أما قضية الطفل عمر فتشير رواية والده إلى أن معلمته في الروضة تجبره على تقبيل قدمها منذ خمسة أشهر.
وفيما استنكر نائبٌ واحدٌ فقط من أصل 40 عضواً في مجلس النواب حادثة طفل السنابس، وقال «إن حادثة السنابس غريبة على مجتمعنا ولا يمكن القبول بها ولابد من التحقيق فيها بشكل جدي». انسحب اثنان من أعضاء المجلس من الجلسة احتجاجاً على قضية الطفل عمر وعدم السماح لهم بالحديث عن الموضوع، فيما طالب ثلاثة أعضاء آخرين باتخاذ الإجراءات الرادعة ضد المعلمة، ولجأوا إلى التهديد بقولهم: «إن لم تتحرك وزارة التربية بهذا الشأن فإنهم سوف يستجوبون الوزير»! وأكدوا أن ما قامت به المعلمة هو انتهاك لحقوق الطفولة وأنهم لن يأمنوا بعد اليوم على أطفالهم بوجود مثل هذه المعلمة!
بعد هذا… ألا تلخص هذه الجلسة الوضع السياسي في البحرين وما يشهده من تجاذبات وتنافرات واصطفافات؟ وألا تعكس مواقف النواب مصالحهم ومبادئهم؟
صحيفة الوسط البحرينية – 30 مارس 2012م