المنشور

محاكمة الكادر الطبي والفيلم الوثائقي


الفيلم الوثائقي الذي قدمته هيئة الدفاع عن الأطباء المتهمين باحتلال مجمع السلمانية الطبي، وتمت مشاهدته في المحكمة يوم الثلثاء الماضي – والذي لم تعلق عليه النيابة العامة – يوثّق بشكل دقيق كيف تعامل الأطباء مع الضحايا والجرحى وحتى المرضى العاديين إبان الأزمة، ويثبت بشكل قاطع أن الكادر الطبي من أطباء وممرضين ومسعفين تعاملوا مع الأحداث الجارية بردة فعل أبسط ما يقال إنها كانت في قمة الإنسانية والمسئولية والشجاعة ونكران الذات.
 
ذلك ما وثقه الفيلم… ولكن ما رأيته شخصياً من عددٍ من الأطباء إبان الأزمة لا يقل عن ذلك.
لم يكن غير عدد قليل من موظفي «الوسط» متواجداً بمبنى الصحيفة في يوم الأربعاء 16 مارس/ آذار 2011 يوم إخلاء الدوّار من المتظاهرين، ولذلك لم يكن لي من بد سوى الذهاب إلى مركز البديع الصحي بعد أن اتصل أحد المواطنين طالباً قدوم أحد الصحافيين إلى المركز لنقل ما كان يحدث هناك.
 
عند وصولي المركز عند الساعة الواحدة ظهراً، كان المركز في حالة استنفار تام ويضج بالأطباء والممرضين، وكان عدد الكادر الطبي كبيراً جداً، فقد توجّه جميع الأطباء والممرضين القاطنين في القرى المجاورة لهذا المركز بدلاً من الاختباء في منازلهم، بعد أن سُدّت الطرق عليهم للوصول لمراكزهم الطبية ومنعوا من دخول مجمع السلمانية الطبي.
 
لم يكن عدد المصابين في المركز كبيراً، فقد عمد الأطباء إلى علاج المصابين بشكل سريع ومن ثم يعودون لمنازلهم بدلاً من إبقائهم في المركز.
 
في ذلك اليوم قام الأطباء بمعالجة نحو 50 حالة أغلبها إصابات بالرصاص وطلقات «الشوزن». وكان هناك أحد المصابين يرقد على سرير طبي في أحد الممرات وقد فقد ثلاثاً من أصابعه.
كان الأطباء يشكون من نقص المستلزمات الطبية في المركز الصحي، إذ إنه ليس مجهزاً لمثل هذه الحالات، فلا توجد في المركز غرفة للعمليات أو أجهزة طبية للتعامل مع مثل هذه الحالات، كما لا توجد أكياس دم، وحتى الأدوات المستخدمة لخياطة الجروح لم تكن صالحة لمثل هذه الحالات، فكل ما كانوا يستطيعون القيام به هو الإسعافات الأولية.
 
بعد فترة قصيرة تم القبض على عدد من هؤلاء الأطباء والممرضين وظلوا في الحجز لمدة طويلة قبل أن يتم الإفراج عنهم ويحوّلوا إلى المحكمة المدنية بدلاً من المحاكم العسكرية التي كانت تنظر قضيتهم.
 
وبحسب ما أوردت إحدى الصحف المحلية فإن رئيس جمعية الوسط العربي الإسلامي ورئيس قسم الطوارئ إبان الأزمة جاسم المهزع حينما استدعي للشهادة أمام المحكمة العسكرية قال «لم يكن هناك احتلال في مستشفى السلمانية وإنما احتلال جزئي في مواقف السيارات ومدخل الطوارئ»، ونفى أن الأطباء المنتمين إلى طائفة معينة رفضوا علاج المرضى من طائفة أخرى.
 
وفي ردّه على ما أوردته الصحيفة لم ينفِ المهزع ما نقل عن شهادته وإنما قال عن شهادته «إنها تأتي انسجاماً مع الموقف الحضاري والنزيه من جانب المؤسسة القضائية… وقد تمثل ذلك في توجيه الشهود بأن تكون الشهادة من خلال ما سمعناه وشاهدناه».
 
لم أفهم حتى الآن كيف تم تحويل الأطباء إلى سفاحين وسراق ومخربين؟ وكيف تحوّلت ملائكة الرحمة إلى قتلة؟
 

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3485 – الجمعة 23 مارس 2012م