جاء البروفيسور محمود شريف بسيوني وفريقه إلى البحرين بتكليفٍ من عاهل البلاد في التحقيق في مجريات الأحداث التي شهدتها البحرين بدءاً من منتصف فبراير 2011 وتداعيات هذه الأحداث.
لم تكن مهمة الرجل وفريقه تتصل بتتبع جذور الأزمة السياسية في البلاد واجتراح الحلول لها، وإنما معالجة آثار ما جرى في الفترة التي كُلف، هو ولجنته، بالتحقيق فيها، وبعد شهور من العمل، حصلنا على تقرير مهني وموضوعي ومحايد، لقي ترحيباً، تفاوت مستواه هنا وهناك، لكن الأهم أن عاهل البلاد قبل التقرير وتوصياته وتعهد بالعمل على تنفيذها.
تشكلت لجنة متابعة تنفيذ التوصيات إعمالاً لما طالب به التقرير، وقد شاركنا في قوام هذه اللجنة انطلاقا من قناعتنا بأهمية المساهمة في أي جهد يساعد على حل الأزمة وتجاوز آثارها، ونحن ندرك منذ البداية أن مهمة تنفيذ التوصيات، وسط تضارب الإرادات، لن تكون سهلة وتتطلب عملاً دؤوباً مخلصاً من الجميع، وشهدت اجتماعات اللجنة مناقشات صريحة حول السبيل الأمثل لتحقيق ذلك، وقام رئيس اللجنة بجهد وطني كبير في متابعة أكثر الملفات صلة بالوضع المعيشي والإنساني، وهو ملف المفصولين عن أعمالهم، وتحققت في هذا المجال نجاحات مهمة كما يشير إلى ذلك الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وبقيت أمور عالقة، كما أولى رئيس اللجنة اهتماماً بموضوع إعادة بناء دور العبادة التي هُدمت.
وكما ذكرنا في مقالٍ سابق فإن فَحص توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق يكشف أن الكثير من هذه التوصيات، إن لم يكن أكثرها، يتصل بتعديلات مطلوبة على التشريعات النافدة في البلاد، سواء منها تلك التي وُضعت في المرحلة السابقة لإقرار ميثاق العمل الوطني، أو حتى تلك التي مررتها المجالس التشريعية في الفترة اللاحقة.
صحيح أن العبرة هي في التطبيق لا في النصوص، ولكن أوجه القصور في التشريعات تهيئ البيئة الملائمة للكثير من التجاوزات وللممارسات غير الديمقراطية، وهذا تطلب مراجعة شاملة للكثير من التشريعات المعمول بها خاصة تلك المنظمة للحريات العامة، وللقضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان.
كما طالبت بذلك توصيات تقرير بسيوني، وللحق فإن الكثير من توصيات التقرير المتصلة بالجانب التشريعي طالبت بها هيئات الدفاع في القضايا التي كان القضاء ينظر فيها في السنوات الماضية، كما ان برامج القوى السياسية ومقترحاتها للإصلاح السياسي والدستوري تضمنت جانباً من هذه المقترحات، وقد أحيلت إلى السلطة التشريعية، مؤخراً، جملة من التعديلات على القوانين الرامية لحماية حقوق الإنسان، بهدف إصلاح البنية التشريعية القائمة.
تقرير لجنة بسيوني وكذلك ما أنجزته لجنة متابعة تنفيذ توصيات هذا التقرير، على أهمية ذلك، ليست سوى خطوات على طريق طويل وصعب علينا أن نعبره، ولكن توصيات التقرير التي رسمت خريطة طريق مهمة لتجاوز آثار الأزمة، بما يساعد على فتح آفاق الخروج منها، لا تغطي دراسة أسباب الأزمة وجذورها الكامنة في القضايا السياسية الكبرى التي هي في حاجة إلى حل، وهذا الحل لن يتأتى إلا عبر حوار سياسي حقيقي يمسك بمفاصل الأزمة، ويكون قادراً على اتخاذ القرارات الشجاعة والتنازلات المؤلمة التي لا مناص منها، بما يحقق الإصلاحات المرجوة، ويعبد الطريق أمام المصالحة الوطنية، ويمنع تكرار الأزمات المشابهة في المستقبل.
25 مارس 2012