منذ أيام توعد رئيس لجنة التحقيق النيابية في تجاوزات مستشفى الملك حمد باستجواب وزير الأشغال إذا لم يقم بإحالة الموظفين المسؤولين عن الفساد والتجاوزات بالمشروع الى النيابة العامة بشكل عاجل. وفي هذا الصدد اضاف.. نما الى علمنا ان الوزير احال موظفاً واحداً في مستوى رئيس قسم الى النيابة العامة للتحقيق معه رغم أن هناك مجموعة أكبر متورطة على مستوى وكلاء مساعدين ومدراء.
وحول ذات المسألة أكد أن الكتل النيابية ترفض ان يتم تقديم كبش فداء من اجل التغطية على باقي المتورطين في ظل الفساد الواسع الذي كشفته لجنة التحقيق والهدر في المال العام والمسؤولية الثابتة على وزارة الاشغال. ونستطيع القول هنا إن هذه الخطوة التي اقدمت عليها اللجنة والنواب عموماً توضح بصورة جليّة لا تراجع في محاسبة المتورطين في هدر المال العام، خاصة وأن تكلفة المشروع وبقدرة قادر قفزت من 18 مليون دينار الى 130 مليون دينار!! وهي خطوة نأمل ان تتسع للتصدي لكافة التجاوزات المالية والادارية في الهيئات الحكومية وشبه الحكومية الاخرى.
وعلى هذا الاساس، فالقضاء على البيئة الفاسدة في اي موقع حكومي يتطلب عملاً برلمانياً دؤوباً متصلاً مهما كانت المصاعب في كشف خيوط الفساد المتشابكة المصالح والمنافع، وهي مشكلة متشعّبة جذورها ممتدة الى مؤسسات حكومية حيوية مهمة، وكذلك الحال بالنسبة لشركات القطاع الخاص الكبرى في الدول العربية، هناك تشريعات وقوانين تكافح الفساد والمفسدين، ومع ذلك كثيراً ما تجد هذه الظاهرة في انتشار واسع وعلى هذا الاساس فالعيب لا يكمنُ في القانون، فهو واضح بأحكامه الرادعة وبنصوصه وتدابيره الجادة في المحاسبة وإنما الخلل الشائع في تلك الدول يكمن في تنفيذ وتفعيل هذه التشريعات وأن فعلت تجد هناك من يفرُّ منها ويتحايل عليها وهذا يرجع الى من يملكون النفوذ!!
وفي هذا المناخ المشبع بالفساد المالي والاداري من دون شك يتحوّل الفساد في هذه الدول الى ظاهرة عامة، والامثلة على ذلك كثيرة ولو اخذنا – مصر مثالاً – فإن اهم أولويات برامج الاحزاب الوطنية والتقدمية تركز على مواجهة الفساد والشخصيات المتورطة فيه وكشف الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ادت الى تحوّل الى ظاهرة عامة واتساعه ليشمل سرقة اموال الدولة والقطاع العام، واستغلال النفوذ والمناصب والصفة النيابية للتربّح وقبول الرشاوى والعمولات والتدخل في سير القضايا والتأثير على القضاء واستغلال بيع القطاع العام والاستيلاء على المال العام ونهب منظم لثروات الوطن ادى الى تحطيم معنويات الشعب المصري وفقدان الثقة في المستقبل والتأثير على انتمائه.
على العموم لا يمكن ان نضع المؤسسات الحكومية والخاصة في سلة واحدة، فهناك مؤسسات تعد نموذجاً يحتذى به وأخرى «عشش» الفساد فيها سنوات طويلة، ومن هنا يبدو واضحاً ان الاستجوابات احدى الادوات الرقابية ما لم تفعل لحماية المال العام فلا جدوى منها. وكذلك متى ما كانت الاستجوابات الهدف منها فرض القيود على حرية الرأي والتعبير مثلما حصل لربيع الثقافة او تبحث عن مكاسب عقائدية على حساب المصلحة العامة، كما فعل نواب الاسلام السياسي في الكويت فإن مردود تلك الاستجواب يصطدم ويتعارض مع طموحات الوطن والمجتمع!! وبصريح العبارة وما الاملاءات التي يفرضها هذه الايام نواب التشدد والتزمّت على الثقافة والسياحة إلا مثالاً على ذلك!!
على اية حال عندما نتحدث عن المخالفات المالية والادارية التي حدثت في مستشفى الملك حمد وعن ضرورة محاسبة المتورطين فيها فلا بد من الاشادة بلجنة التحقيق النيابية التي اسهمت اسهاماً حقيقياً في كشف الحقائق، وكذلك بقية النواب، وفي مقابل ذلك لا يسعنا في هذا المقام الا أن نثمّن دور وزير الاشغال عصام خلف الذي اكد من خلال بيان صادر عن وزارته على انتهاج اعلى درجات التعاون والشفافية مع لجنة التحقيق البرلمانية، وأكد ايضاً انه في حال ثبوت اية تجاوزات من اي من موظفيها (أياً كان مسماه الوظيفي) فإن وزارة الاشغال لن تتوانى عن اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه بما فيها احالته الى النيابة العامة. ولا شك في ان هذا الموقف الذي اتخذه الوزير يجسّد روح المسؤولية، ويكتسب هذا الموقف اهمية خاصة حينما قدمت وزارته كل المستندات الى شركة التدقيق للوصول الى الحقيقة، والاكثر من ذلك حينما قال: «نحن مواطنون وحريصون على المال العام، وليثق المجلس ان الجميع تحت المساءلة».
خلاصة القول: هناك مؤشرات جادة في محاسبة المسؤولين المقصّرين في وزارة الاشغال، وكل ما نتمناه ان تطال هذه الجدية هيئات حكومية تحتاج هي الاخرى الى كشف المستور وإنجاز ما يمكن انجازه على مستوى مكافحة الفساد الذي احتل مساحة واسعة في دهاليز وأروقة تلك الهيئات فهل نفعل؟
الأيام 24 مارس 2012