أتى إلى القاهرة من صعيد مصر، ليدرس في جامعتها (التي كانت تسمى جامعة فؤاد الأول)، ويتخرج من كلية التاريخ. عمل بالتدريس كما التحق بالكلية الإكليريكية وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي، وثمة أمر لافت في شخصيته هو انه كان يكتب الشعر، وعمل في الصحافة أيضاً، قبل أن يبدأ تدريجيا الانخراط في مجال العمل الديني، ليصبح قساً في منتصف أربعينيات القرن العشرين.
في شخصيته اجتمعت الدنيا والدين. لم يكن بوسعه ألا يكون غير ذلك، فقد قضى بمنصب البابوية واحدا وأربعين عاما، بعد تتويجه عليها ليكون البابا رقم 117 في تاريخ البطاركة، كان عليه أن يكون خلالها زعيماً دينيا وسياسيا للأقباط، كما تحولت الكنيسة في عهده إلى حاضن للأقباط ليس في المجال الروحي وحده، وإنما في الشأن العام أيضاً، حيث تعين على أقباط مصر أن يجمعوا بين مصريتهم وقبطيتهم. وشاءت الأقدار أن أتى الرجل إلى موقع الزعامة الروحية للأقباط مع رحيل جمال عبدالناصر، الذي ربطت الأقباط، في عهده، علاقة طيبة بالدولة المصرية، لكن هذه العلاقة سرعان ما اعتراها التوتر مع مجيء أنور السادات رئيساً، فبما عرف عن السادات من نزق أصر على أن يرافقه البابا شنودة في زيارته للقدس عام 1977، لكن شنودة رفض ذلك بعناد، وحرَّم على الأقباط زيارة القدس طالما ظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبإيعاز من السادات طلبت السلطات من البابا التوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي، فرفض الأخير وصعَّد الأمر بأن قرر عدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وعدم استقبال المسؤولين الرسميين احتجاجا على ما عدَّه اضطهادا للأقباط . وكان من نتيجة ذلك حدوث قطيعة بين الرجلين، توَّجها السادات بأن أمر بتحديد إقامة البابا شنودة في دير وادي النطرون، ضمن سلسلة قرارات صدرت في سبتمبر وشملت التحفظ على ما يزيد على 1500 شخص من المعارضين، وكان ذلك عشية مصرع السادات في حادث المنصة الشهير على أيدي متشددين إسلاميين، انتقموا من زيارته للقدس، ولم يذب جليد العلاقة بين أقباط مصر ودولتهم مرة أخرى إلا بقرار الرئيس مبارك رفع تحديد إقامة البابا،لتسود بعدها سنوات من المسايرة بين الطرفين.
كان موضوع الأقليات في العالم العربي قد أخذ يُثار على نطاق واسع بتشجيع غربي لافت، حيث تأسست مراكز أبحاث ودراسات تُعنى بهذا الموضوع، ومن أجله نظمت مؤتمرات وحلقات بحث، وكان وضع الأقباط في مصر هو إحدى القضايا التي جرى تحريكها، وسط ريبة من فعاليات سياسية مصرية، التي وإن أقرت بأن للأقباط حقوقاً سياسية وثقافية ودينية يجب أن تراعى، ألا أنها عبرت عن الخشية من أن يكون ذلك مدخلاً للتأثير في الوحدة الوطنية المصرية.
واجهت الكنيسة القبطية المصرية ما واجهه الأزهر الشريف من حرج باندلاع الثورة المصرية، حيث كان مطلوباً من الجهتين أن تحددا موقفاً منها، وكلاهما كان أميل إلى التحفظ، لكن الانخراط الشعبي الواسع للمصريين، أقباطاً ومسلمين، في الثورة، حيث رفعت رموز الهلال والصليب في ميدان التحرير، حملت البابا شنودة على أن يجعل موقف الكنيسة متناغماً مع الإرادة الشعبية.
22 مارس 2012