من المتوقع أن تنشر اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير تقصي الحقائق تقريرها بشأن ما تم إنجازه، كما أنه من المتوقع أن يقدم رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني تقريراً عمّا تم تحقيقه مقارنة مع ما كان يؤمل إنجازه. ولو عدنا إلى تقارير الفترة التي أعقبت إشهار التقرير في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، فسنجد أن البحرين استنجدت بأعداد كبيرة من الخبراء من كل حدب وصوب لتفسير ماذا قالت هذه التوصية أو تلك.
اللجنة الوطنية التي يرأسها رئيس مجلس الشورى علي الصالح كادت أن تصبح في تاريخ المنسيات، وقد استقال الصالح من اللجنة وعاد مرة أخرى لمواصلة عمله. وكانت اللجنة ذاتها قالت في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2011 إنها طلبت من الحكومة تقديم تفسير لبعض العبارات الواردة في الفقرتين (1716) و(1722-ب) كعبارة «آلية محايدة ومستقلة»، وعبارة «تلك الموجودة في سلسلة القيادة العسكرية والمدنية»، وعبارة «المعايير الدولية – للمسئولية العليا»، وردّت الحكومة على اللجنة بأنه تمّت دعوة وفد من الخبراء والفقهاء القانونيين البارزين على المستوى الدولي لتقديم الدراسة والمشورة. وبعد ذلك كثر عدد الخبراء من فرنسا وبريطانيا وأميركا، وكل مجموعة من الخبراء بدأت تشرح هذه الكلمة أو تلك الجملة، كما بدأوا بإعداد برامج لتدريب المسئولين الحاليين على تنفيذ التوصيات.
عندما التقيت ببعض هؤلاء الخبراء ضمن برامج اللقاءات التي أعدت لعدد منهم، أرجعتني ذاكرتي إلى اجتماعات عمل كنت أحضرها في مطلع التسعينات من القرن الماضي عندما كنت مديراً هندسياً في إحدى الشركات ببريطانيا، وكنا نتعامل مع الصينيين. حينها كنا نحضر في كل جلسة لمناقشة بعض الأمور التي تأخذ في العادة ساعة لمناقشتها، ولكننا كنا نقضي نهاراً كاملاً. فبدلاً من مناقشة الموضوع مع شخص واحد كان يحضر الاجتماع، مثلاً، خمسة أشخاص، واحد منهم يفهم شيئاً من الإنجليزية، والأربعة الآخرون ينتظرون أن أكمل بعض الجمل مع زميلهم، ومن ثم يناقشونه فيما قال أو قلت له. وكان الأشخاص الخمسة يدخلون في نقاشات مطولة فيما بينهم، وأنا في الغرفة لا أدري ماذا كانوا يقولون، ولم أعرف كيف تطول ترجمة شيء قلته في دقيقة أو دقيقتين إلى ربع أو نصف ساعة. بعد ذلك تتعرف على الأشخاص وتكتشف أن كلَّ واحدٍ منهم جاء ليستوعب كل حرفة وكل مهنة وكل تطور ضمن هدف وطني كبير جداً. كانت الصين حينها تستلهم كل شيء من كل مكان، ومن ثم تعيد تصنيعه في بلادها، وتصبح هي المنتجة والمصدرة.
لكن هناك فرق بين ما يحدث في البحرين وبين الصينيين الذين انكبّوا على كل شيء من أجل أن يتعلموه ويتقنوه ويحولوا بلادهم إلى ثاني أعظم اقتصاد في العالم (كما هو الوضع حاليا)ً… فعلى رغم أن الجهد في البحرين حالياً متشابه في درجة الإنهاك الذي يحدث أثناء الاجتماعات مع الصينيين، إلا أن اجتماعات البحرين المضنية لحد الآن تبدو أنها تدور في حلقات مفرغة. إننا نأمل أن يتغير هذا الحال إلى شيء آخر، ونحن سنكون من الداعمين لكل جهد يدفع باتجاه إيجابي لتصحيح الوضع الحالي غير السليم.
صحيفة الوسط البحرينية – 18 مارس 2012م