إنها ليست المرة الاولى التي تواجه فيها الثقافة المنع والحظر والإلغاء، ولذلك فلا عجب من الوصاية التي يفرضها هذه الايام بعض ممثلي الشعب على الفعاليات الفنية والثقافية التي تحتفي بها البحرين في ظل اختيار المنامة عاصمة الثقافة العربية 2012.
على اية حال ان الهجوم الشرس على الثقافة المستنيرة لم يأت مصادفة ولم يكن حدثا عابرا مفصولا عن ما جرى لربيع الثقافة في السنوات الماضية عندما خرج بعض النواب شاهرين سيوفهم في وجه الثقافة النيرة لاعتبارها رجسا من عمل الشيطان!! وعلى هذا النحو جاءت تلك الوصاية لتفرض قيوداً تكبل هذه الثقافة طالما لم تلتزم وفق منظورهم بتشريعات القرون الوسطى!!
لا نريد ان نستطرد في استعراض ابعاد هذه الوصاية فهي معروفة للقاصي والداني طالما هي تمس حرية الرأي والتعبير ومن هذا المنطلق نشد على ايدي كل الفعاليات الفنية والثقافية التي استنكرت هذه الوصاية ونقول للأوصياء ارفعوا ايديكم عن الثقافة.
احد النواب قال في تصريح له: ان كتلته تتجه لاستجواب وزيرة الثقافة وان هذا الاستجواب سيتناول عدة موضوعات في مقدمتها الحادثة التي تداولتها بعض المواقع الالكترونية من ان توجيهات صدرت من وزارة الثقافة بمنع اذان احد المساجد بالمحرق اثناء اقامة حفلة ضمن مهرجان ربيع الثقافة، وقال ايضا ان الاستجواب سيتضمن الجوانب المالية والمصروفات الباهظة على مشاريع الثقافة وعلى الامور التي تخالف عادات وتقاليد، ويضيف سوف نسأل الوزيرة حول عدم الاكتراث بدعوات ومطالب النواب بإيقاف المواسم الثقافية والمهرجانات في الفترة الحالية وذلك للتضامن مع الشعب السوري الذي يتعرض للقتل.
ولو تمعنا في محاور الاستجواب في البدء نقول: اخي الكريم لا يمكن لاحد الاعتراض على الاستجواب كأداة من الادوات الرقابية الدستورية التي تشكل عصب العمل البرلماني ومع ذلك عندما نتحدث عن المبررات التي تبني عليها هذا الاستجواب نتساءل هل يعقل ان تصدر وزارة الثقافة توجيهات تمنع اذان مسجد في المحرق او غيرها من المحافظات الاخرى؟!! في حين ان مجلس امناء مركز الشيخ ابراهيم للثقافة والبحوث أكد رفضه التام لما ورد حول منع الاذان ومنع اقامة الصلاة في «مسجد بن نصير» الواقع في منطقة البيوت التراثية بالمحرق والشيء الاخر والمهم الذي أكد عليه المجلس المذكور ان فعاليات المركز تنعقد عقب الساعة الثامنة مساء اي بعد وقت اذان العشاء واقامة الصلاة والاكثر اهمية ان اهالي المنطقة كما يقول مجلس امناء المركز أكدوا على رفضهم التام لهذا التجني على المركز والثقافة، مشيدين بالدور الذي اضطلع به في احياء المنطقة وجعلها موقعا ثقافيا مهماً حافظ على الهوية الوطنية من خلال ترميم البيوت التراثية واعادة استخدامها بما يخدم المنطقة ويستقطب الزوار وضيوف المملكة من كبار الشخصيات والادباء والمفكرين.
واذا ما انتقلنا الى المحور الاخير الذي سيتضمنه الاستجواب وهو مساءلة الوزيرة لعدم الاكتراث بدعوات النواب بإيقاف المواسم الثقافية في الفترة الحالية تضامنا مع الشعب السوري الذي يتعرض للقتل يكفي ان نشير هنا الى ما كتبه الاخ حسن مدن تحت عنوان هل نلغي ربيع الثقافة والذي قال فيه: الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال يقيمون في رام الله والقدس وغيرها من مدن فلسطين المعارض التشكيلية والحفلات الموسيقية والعروض المسرحية وهم الذين يواجهون ماكنة العسف الصهيوني اليومية التي تقتل النشطاء والابرياء وتحشد في معسكرات الاعتقال الآلاف من الفلسطينيين نساءً ورجالا كأنهم يبرهنون على مقدرتهم في الحياة والعطاء رغم قسوة العيش وفظاعة الاحتلال وكان شاعر فلسطين الكبير محمود درويش لسان حال شعبه وضميره حين هتف ذات قصيدة: «نحب الحياة ما استطعنا اليها سبيلا».
يا سادة نختلف كما نريد ومع ذلك نرفض المساس بالمقدسات والعادات والتقاليد كما نرفض التجني على الثقافة باتهامات لا اول لها ولا آخر!! ومن هنا نتساءل: لماذا كل هذه «الفزعة» ضد الثقافة النيرة؟! هناك قضايا اقتصادية وسياسية واجتماعية تستحق «فزعات» لمواجهتها بحلول تشريعية وكم تمنينا من اصحاب السعادة ان يلعبوا دوراً في تحقيق المصالحة الوطنية عبر حوار وطني جاد تشارك فيه كل الاطراف لتخرج البلاد من ازمتها السياسية الطاحنة ليعود اليها الاستقرار والثقة المتبادلة والتعايش بمنأى عن الاصطفافات الطائفية والكراهية التي يروج اليها مناهضو الحوار والانفتاح!!
الأيام 17 مارس 2012