المنشور

صناعة المشتركات الوطنية


في ظرفٍ دقيق كالذي تجتازه البحرين اليوم سيكون من المتعذر أن تتفق أطراف الخلاف على رؤية طرفٍ منها بعينه. فلكلٍ روايته الخاصة ورؤيته المختلفة وتصوره المغاير للآخرين لطبيعة الحل، وهذا ينطبق على علاقة الدولة والمعارضة، وعلى علاقة المكونات الاجتماعية والفئوية المختلفة في المجتمع بعضها بعضاً، حيث لا سبيل لنكران حجم التفاوت الكبير في الطريقة التي يفكر بها كل طرف.
مع ذلك، فبالقياس لما كان عليه الحال قبل شهور، يمكن القول ان البلد بات أكثر جاهزية لولوج طريق الحل، وغني عن القول ان دور الدولة في ذلك دور محوري، فهي، اكثر من أية قوة أخرى، الأقدر على دفع الأمور في هذه الوجهة أو تلك، وهي أيضاً من بيدها أدوات التنفيذ لأية تدابير يجري الاتفاق عليها، سواء تعلق الأمر بتوصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، أو بأي اتفاقات يمكن بلوغها في الأفق المنظور، وسط الحديث المتواتر، والمؤكد على أية حال، عن تواصلات تجري نحو هذا الهدف.
 
وكما في أي مجتمع من المجتمعات مرَّ أو يمر بظروف الانقسام التي يعاني منها مجتمعنا اليوم، فان المطلوب هو صناعة المشتركات، لا تعظيم الخلافات أو تضخيمها بحيث تظل، كما هي الآن، عقبة في وجه أي حل.
 
وليس معنى هذا القول انه لا توجد خلافات جوهرية وجذرية حول حجم وطبيعة الاصلاحات المنتظرة أو المطلوبة، وكذلك حول التداعيات السلبية الكثيرة التي نجمت عن الأزمة التي عصفت بالبلاد، وما زالت تداعياتها مستمرة حتى هذه اللحظة.
 
ولكن لبلوغ الحل لا بد من تسويات ممكنة، لا تمس بجوهر الحاجة إلى الاصلاحات في المجالات الدستورية وفي البنية التشريعية وفي صلاحيات المجلس المنتخب وآلية تشكيل الحكومة وإصلاح القضاء والإعلام وتوسيع رقعة الحريات العامة، وغيرها من أمور لا مناص لنا من إنجازها، ولكنها بالمقابل تأخذ بعين الاعتبار التعقيدات المحلية الناشئة، وكذلك توازنات المحيط الإقليمي، لتحقيق ما ندعوه بصناعة المشتركات، والتي تبدو صعبة أو عصية عندما ينظر لها كل طرف من خندقه الراهن حين لا يريد مبارحته، ولكنها ستكون ممكنة حين ندرك جميعاً انه لا بد من الخروج من الأزمة التي لم يعد من مصلحة البلاد أن تبقى فيها بدون حل.
 
ما أسهل اليوم من سوق الخطابات المُعيدة لانتاج هذه الأزمة، جرياً وراء منفعة هنا أو هناك، فهناك منظومة مفردات ومصطلحات تشكلت خلال الشهور الماضية، لا يتطلب الأمر سوى إعادة صفها في كل مرة، هكذا في متوالية عبثية إستمرأها أصحابها، ولكن هل هذا ما تريده البلاد بعد أكثر من عام على إندلاع الأزمة، أم أن الوقت قد أزف فعلاً للخروج من هذه الدوامة، حرصاً على مستقبل الوطن والعيش المشترك لأبنائه، والذهاب إلى المستقبل وقد تخفننا من الأعباء المريرة التي ما زال الوطن ينوء بها ؟
 
يجب استثمار الاشارات الايجابية في الذهاب نحو حلٍ ممكن، ويجب تدعيم ذلك بخطابٍ داعٍ للحل وداعم له، والأهم بتدابير سريعة تداوي الجراح، وتغلق ملفات ينبغي ألا تستمر مفتوحة، لإنهاء التحشيد الطائفي وتسهيل ظروف المصالحة الوطنية.