إن الحراك الشعبي المدني غير المسبوق في تاريخ البحرين الحديث الذي انطلق في 14 فبراير/شباط 2011، والذي مازالت تداعياته وانعكاساته مستمرة على مختلف مناحي الحياة… لم يكن زوبعةً في فنجان، ولا سحابة صيف عابرة كما يعتقد البعض، وإنما هو مخاض شعبي طبيعي ودليل على حيوية وصحة المجتمع البحريني. فمن يرصد التاريخ ويقرأ عن الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في دول الربيع العربي وغيرها، سيجد في الغالب ان من أهم أسبابها غياب العدالة وانتشار الفساد والخلل الطبقي في المجتمع، أي وجود طبقة أقلية غنية وطبقة غالبية فقيرة.
لسنا بعيدين طبعاً عن الربيع العربي، وبعد هذا المخاض العسير الذي مازالت البحرين تعيش تداعياته، فإن من يرفض إحداث تعديلات دستورية جوهرية بحجة أنه كانت هناك أخطاء ارتكبت أو هناك تآمر أو استقواء بالخارج من قبل قوى المعارضة، عليه أن يطلب من الطرف الآخر أن يعلنها على الناس وبوضوح ومن خلال الأدلة القطعية بأن ما تُطالب به المعارضة من إصلاح وتغيير هو عبارة عن مطالب تعكس إرادات خارجية وليست مطالب بحرينية خالصة. وهنا نتساءل ألم يبرئ تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة (بسيوني) المعارضة من تبعيتها لأية دولة أجنبية؟ ألم يدع التقرير النظام والقوى الوطنية إلى مصالحة وحوار حقيقي جاد ومنتج؟ ألم يقل وزير خارجية البحرين في أحد المؤتمرات الصحافية أثناء فترة الأحداث ان جمعية الوفاق شريك في العملية السياسية؟ ألم يقل سمو ولي العهد ان الخروج من الأزمة يتم من خلال الحوار وإن الحل يجب أن يكون صناعة بحرينية ؟
إن من يزايد على القيادة السياسية في البحرين وتقرير بسيوني، وتقارير مفوضية حقوق الإنسان وغيرها، متستراً بقطاع الطائفية ويريد أن يكون كاثوليكياً أكثر من البابا فهو إما أن يعيش في وهم أو لديه أجندات غير معلنة هدفها إيقاف وتعطيل، بل وتدمير قطار الإصلاح والتغيير إلى الأفضل في مملكة البحرين، وهذا الأمر بالطبع يجرنا إلى مسألة خطيرة جداً تهدد السلم الأهلي وهي انسداد أُفق الحل السياسي وبالتالي استمرار البحرين في حالة من عدم الاستقرار المجتمعي والذي قد يجر إلى مواجهات قد تخرج عن السيطرة وتحرق الأخضر واليابس. وما حصل حديثاً في منطقة عراد وقبلها في فريق الحياك وبعض مناطق مدينة حمد وداركليب والبسيتين… إنما هي مؤشرات وأجراس إنذار.
إن النظام السياسي في البحرين مُطالبٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى بوقفة جادة والقيام بمراجعة شاملة لجميع حساباته السياسية، ودراسة ما ورد في تقرير «بسيوني» وتقارير المنظمات الدولية كالمجلس العالمي لحقوق الإنسان ومنظمة«هيومن رايتس ووتش» و«أمنستي انترنشيونال» وغيرها، دراسة متعمقة من جهة ومن جهة أُخرى تلمس حراك كل من الشارع السياسي الشيعي والسني. إن ترك القضايا المفصلية والمصيرية للقدر أو للفوضى الخلاقة قد تكون نتائجه وخيمة على حاضر ومستقبل البحرين وأهلها.
إن البحرين لن تحلق في رحاب الديمقراطية الحقيقية إلا بجناحين كما كانت في الماضي، وإن الحراك الشعبي الشيعي والسني بالتأكيد له مطالب شرعية لا يختلف عليها اثنان، وإلا لماذا خرجت جميع مكونات الشعب البحريني رافعة مطالب بالإصلاح والتغيير؟
إن هذا الحراك وإن تفاوتت السقوف بين الفرقاء السياسيين فيما يتعلق بالإصلاح، يريد أن تكون للشعب مشاركة حقيقية وفاعلة في صناعة القرار السياسي ويريد أن يكون الشعب البحريني مشرعاً ورقيباً وحسيباً حقيقياً لا شكلياً على أداء الحكومة. هذا الحراك يريد أن يرى عدالة في توزيع الثروات، وأن يرى المواطن البحريني يتمتع بخيرات بلده في عزة وكرامة، لا أن يعيش على العطايا والهبات والمساعدات وفتات الموائد. إن هذا الحراك والمخاض الشعبي المطلبي لن يقبل في اعتقادي بأن يعود بخفي حنين… فمن يرفع الشراع
الكاتب: عيسى سيار
صحيفة الوسط البحرينية – 10 مارس 2012م