بدَّد رئيس روسيا السابق – اللاحق فلاديمير بوتين أسباب الدهشة التي اعترت الكثيرين، وهم يشاهدون بأم أعينهم عينه وهي تخر دمعاً. كيف أمكن لرجل الاستخبارات القوي، غليظ القلب، الذي عرف بالصرامة والشدة أن يذرف الدمع، في لحظة إعلان فوزه المطعون فيه شعبياً وسياسياً؟ ولكنه بكى! قيل إنها دموع الفرح.
وللعين أن تذرف دمعها في الحزن والفرح، لكن بوتين لم يترك للعرافين والمُؤولين والمحللين أن يعزوا سبب دموعه إلى شعوره بفرحة فوزه بولاية جديدة لرئاسة روسيا، يريد لها، في قرارة نفسه، أن تتمدد لتصبح ولايتين أخريين، تضافان إلى ولايتيه السابقتين، بعد أن عهد إلى ظله الشاحب ميدفيدف لأن يقوم بدور «المحلل الشرعي»، الذي من خلاله تغلب على القيد الدستوري للترشح لولاية ثالثة، فمكث في موقع القرار كرئيس للوزراء، متوارياً بعض الشيء خلف صنيعته المنتقاة بعناية لسنوات معدودات، عاد بعدها رئيساً متوجاً لروسيا مرة أخرى.
قال بوتين: «نعم كانت هذه دمعة حقيقية»، لكنها لم تكن دموعا للفرح، فسببها لا يعدو الرياح الشديدة التي هبت في الساحة التي التقى أنصاره فيها بعد إعلان الفوز. أما الروس المعارضون له، وهم يعلقون على الدموع التي وجدوها زائفة، فقد استعاروا عنوان الفيلم الشهير: «موسكو لا تصدق الدموع»، وهو فيلم جميل يعود للحقبة السوفياتية، أخرجه فلاديمير مينشوف ونال جائزة الأوسكار في مطالع الثمانينات الماضية، يوم كانت السينما في ذلك البلد تحصد الجوائز في المهرجانات العالمية، ويعرض الفيلم حكاية ثلاث فتيات ينزحن من بلدات روسية بعيدة إلى العاصمة موسكو، ليواجهن تحديات العيش في المدينة الكبيرة التي ينصرف أهاليها إلى همومهم اليومية، وبرز فيه الأداء المدهش للممثلة فيرا ألينتوفا التي أدت دور مديرة معمل للنسيج تقع في حب عامل بسيط.
ذاع صيت هذا الفيلم في ربوع الاتحاد السوفيتي وخارجه، حيث شاهده أكثر من 90 مليون مشاهد، للرهافة التي قدم بها، وهي سمة طبعت الكثير من أفلام الاتحاد السوفيتي، يوم كان لا يزال موجوداً، قبل أن تنتهي بروسترويكا غورباتشيوف إلى عبثية وسوقية يلتسين، في لحظةٍ عبثيةٍ، هي الأخرى، تحوَّل فيها التاريخ إلى كاريكاتير يسخر من الذين يسخرون منه. لقد اقتات بوتين طوال سنوات من الرصيد الذي حققهُ، كونه الرجل الذي أعاد إلى روسيا شيئاً من المهابة التي كانت لها، ولكن هذا الرصيد، شأنه شأن أي شيء آخر في الدنيا، أخذ في التآكل التدريجي الذي بدت نتائجه في الظهور، ولعله في لحظةٍ قادمة يتجلى في سقوط مُدوٍ.
حسب خصوم يلتسين فانه تحايل على تآكل رصيده عبر تزوير الانتخابات، ليضمن لنفسه أغلبية مصطنعة، وليس واضحاً إلى أي مدى ستكون هذه مجدية له ليقود البلد وسط صعوبات داخلية جمى، ووسط تحديات دولية كبرى، ليس بوسع روسيا أن تدير لها الظهر.