هل المحلي هو نفسه الوطني؟ أي هل حين نتحدث عن الثقافة الوطنية نكون قد عنينا الثقافة المحلية ذاتها، أي ثقافة بلد بعينه أم شعب بعينه، أم أن في الأمر شيئاً من التدرج، كأن تكون المحلية سابقة للوطنية، أو في درجة أو درجات أدنى منها، وما الذي يجب فعله كي يتحول المحلي إلى وطني، وتطبيقاً على المثال ذاته: ما السبيل لجعل الثقافة المحلية تتحول أو ترتقي إلى ثقافة وطنية؟
كي نمسك بهذا الموضوع ربما وجب علينا العودة قليلاً إلى تلك العلاقة التي حكمت القوى أو الامبراطوريات التي استعمرت بلدان العالم، بالرموز الثقافية المحلية، لنجد أن هذه القوى استهدفت تدمير أو على الأقل تهميش أو تحييد تلك الرموز كي لا تصبح علامة من علامات الهوية، أي ألا ترتقي من طابعها المحلي الصرف الذي نشأت عليه لتصبح ثقافة وطنية أو رمزاً من رموز الهوية.
فالمحلي غالباً ما يكون محدوداً وقاصراً وتقنياً إلى حدود بعيدة، ونعني بالتقني هنا أنه يؤدي وظيفة من وظائف الحياة، ولكنه لا يكتسب طابع الرمز الوطني، طابع الهوية، أما الوطني فهو دلالة وتعبير عن الوجدان العام للشعب أو للأمة، لذا فإنه يتطور ويتحرك ويتحول إلى فعل مقاومة. ولهذا السبب فإن أي شعب يجد نفسه يخوض معركة استقلال أو تثبيت هوية ينصرف إلى العناية برموز ثقافته المحلية، كي يخرجها من حيزها الطقوسي ويجعل منها ثقافة وطنية، ثقافة للفعل والتأثير وإبراز تمايزها عن ثقافة الآخر الذي هو هنا في صورة المستعمر أو المحتل أو الغاصب أو حتى مجرد الساعي لتسييد ثقافته ونمط حياته على الآخرين.
غالباً ما تغلب النظرة السكونية للتراث وللتاريخ الرمزي، أي لأشكال التعبير الثقافي والفني بما في ذلك الحرف والمهن التقليدية والألعاب الشعبية والألغاز والأمثال وسواها، أي النظر إلى الأمر في صورته الأولية، المحلية، لا في صورته بوصفه تعبيراً عن هوية وطنية أشمل وأعمق وأكثر تعقيداً وتشابكاً، أي الاكتراث الشديد بالجانب الظاهري مع التوقف عند حدود طقوس الرمز الثقافي أو الفني وعدم تتبع أبعاده الاجتماعية وتعبيره عن قيم معينة شغلت بال الجماعة في حينه وشكلت حسها أو وجدانها الجمعي.
إن ذلك يساعد على فهم حقيقة أن الظاهرة حين تكون محلية فقط، أو يجري النظر إليها بوصفها محلية فقط، فإنها تصبح أكثر قابلية للاندثار والضياع، أما حين يضفى عليها الطابع الوطني الذي يرتقي من الطقوسية إلى الدلالة والتعبير فإنها تشكل رمزاً من رموز الهوية أو تعبيراً من تعبيراتها.
ما يجري اليوم في بلدان عربية مختلفة، ولسنا هنا، في البحرين باستثناء من ذلك، هو العودة مجدداً لتفكيك الوطني وحله ليعود إلى الحال التي كان عليها، مجرد، مجرد عناصر أولى متنافرة، اي إلى محليته، فيغدو ما كان جامعاً وموحداً ومشتركاً عامل فرقة وتنافر، وتدخل الهويات الفرعية، أو المحلية إن شئنا، في تجاذب واشتباكات بعد أن يُنزع عنها بعدها أو عمقها الوطني الذي تشكل نتيجة مخاض تاريخي طويل ومعقد، في نتيجته توحد القوم حول أهداف مشتركة ومشروعة.