ثمة حقيقة لابد وان تكون محل تسليم وهي ان الديمقراطية – ثقافة وفكراً وسلوكاً – تحتل مكانة متأخرة في منظومة الوعي الاجتماعي والسياسي العربي سواء على مستوى النخبة السياسية والثقافية بكل شرائحها او على مستوى القواعد الجماهيرية في المدن والقرى ومختلف التجمعات الاجتماعية، هكذا يقول محمد نور في كتابه البحث عن العدل وغيره من الدارسين والباحثين في الشأن الديمقراطي ومع ذلك لا يمكن بأي حال من الاحوال القول ان الديمقراطية صالحة لهذا المجتمع وغير صالحة، لذاك وليس غريباً ان يردد اعداء الديمقراطية والتطور والانفتاح مثل هذه الحجج!
ولعل الخطوة الاولى والاساسية نحو المشروع الديمقراطي العربي كما يقول «نور» هو نشر ثقافة الديمقراطية والتعددية والحوار والاختلاف وحقوق الانسان في كل خلايا المجتمع ومؤسساته التعليمية والاعلامية والثقافية، وعلينا من الآن ان نربي نشئاً يجيد الاختلاف لا الانصياع والاقتناع، لا الانطباع ولا الترديد ويغلب العقل على النقل، تلك هي القيمة الثقافية التي تكمن في صميم المشروع الحضاري الديمقراطي.
كل ذلك يقودنا الى سؤال مهم وضروري خاصة في ظل المتغيرات السياسية التي تشهدها بعض الدول العربية او ما يسمى بدول الربيع العربي والسؤال هو: الى اي مدى دول الربيع العربي ماضية في انجاز مهام وشروط الديمقراطية؟ ورغم اهمية ثورات دول «الربيع» في تغيير الانظمة الديكتاتورية التي نجحت طيلة عقود في فرض حالة الطوارئ والقوانين التعسفية الا ان ما نراه اليوم هو عكس ما كان مطروحاً قبل تلك الثورات، وبعبارة اخرى ان الاشكالية التي تتعارض مع طموحات الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة تتمثل في تراجع من صعد الى السلطة – ونعني بالاسلام السياسي – عن الكثير من الشعارات الديمقراطية وخصوصاً التعددية وحقوق المرأة منها!!
وقد ادى هذا التراجع الى خيبة امل اولئك الشباب الذين كانوا وقوداً في سبيل التغيير الحقيقي الضامن للحقوق والحريات الاساسية.
ولو اخذنا مصر مثالاً هناك اسئلة لابد من طرحها وهي كيف تعامل الاسلام السياسي مع حقوق الانسان؟ وهل ما يدور ويجري في مصر اليوم يعد انتصاراً للديمقراطية؟ كيف ادار هذا التيار – الاخوان والسلف – دفة التحالفات الداخلية والخارجية؟ ما هي آفاق التحالف بين هذا التيار والامريكان؟
واذا ما توقفنا عند التحالفات الخارجية فانه من الاهمية بمكان الاشارة الى مقالة كتبها المحلل السياسي الشيوعي زياد حداد قال فيها «في مصر عادت الولايات المتحدة الى وصف الاسلاميين وخاصة الاخوان المسلمين بأنهم «معتدلون» وانهم جديرون بالاحترام والتأييد في حالة صعودهم الى السلطة بعد نتائج الانتخابات المصرية الأخيرة، وقد اظهرت الولايات المتحدة قدرة فائقة على التحول السريع من التحالف مع النظام الاستبدادي الذي كان يرأسه حسني مبارك الى هذا الموقف الجديد من الاخوان المسلمين ويلاحظ في هذا الصدد أن الولايات المتحدة لم تعد تعلن خشية من ان يستمر الاخوان في سياسة معارضة اسرائيل الامر الذي يدل على ان الاخوان قدموا لواشنطن تعهدات بعدم السير في هذا الطريق اذا استمرت الولايات المتحدة في دعمهم كقوة سياسية تمارس الحكم وتشارك فيه، ومعناه ايضاً ان الاخوان تعهد والمسؤولين الامريكيين بأن يصلوا في اعتدالهم الى حد دعم الحروب الامبريالية ضد القوى العلمانية ذات التوجه الوطني بين الجمهوريات العربية.
وفي السياق نفسه، ذكر المفكر الماركسي الامريكي «جيمس بتيراسي» في بحث له نشره موقع «انفور ميشن كليرنغ هاوس» على شبكة الانترنت يوم 12 ديسمبر الماضي بعنوان «التحالف بين واشنطن والاسلام المعتدل»، ان هذا التحالف يعطي الاسلاميين مسؤولية فرض سياسات اقتصادية اورتوذكسية واعادة تأسيس نظام يدعم النظام القائم مع اقتصادي البنوك وانصار الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من الجنرالات ومسؤولي الامن وفي المقابل يحصل الاسلاميون على مناصب وزارية معينة ويتولون تعيين اعضائهم وفرض جدول اعمالهم المالي والاجتماعي والثقافي».
وفي مقابلة اخرى له مع موقع «كوبا ديباتي» عند سؤاله عن الربيع العربي قال ان الربيع العربي هو سلسلة من الانتفاضات الشعبية ادت الى انهيار الديكتاتوريين الموالين للولايات المتحدة ولكنها ليست ثورات سياسية وذلك لسببين وهما ان اجهزة الدولة والجيش بالاضافة الى النظم القضائية والسياسية القديمة لم تتغير واشار «بتراسي» في حديثه الى انه في مصر نظام مبارك حل محله المجلس العسكري الذي استمر في سجن وتعذيب وقتل الناشطين المؤيدين للديمقراطية وفي رأيي ان الولايات المتحدة تلقت خبر الانتفاضة الشعبية على حين غرة لكنها في وقت لاحق بدأت تأتي في صف المجلس العسكري والتعاون مع الاخوان المسلمين.
الأيام 3 مارس 2012